رؤية

الإمارات وموعد مع الإصلاح العام

نجيب الشامسي

المسؤولية ليست وجاهة اجتماعية، أو مسألة تشريعية، أو ملكية فردية، كما أنها ليست منحة شخصية للمسؤول، إنها أمانة يُسأل عنها في حياته عندما يكون على رأس عمله، وعند لقائه ربه. ولعل التجاوزات التي مارسها مسؤولون في وزاراتنا وهيئاتنا خلال 40 عاماً من عمر الدولة، لاسيما خلال العقدين الأخيرين، عرّضت الدولة ومؤسساتها إلى الكثير من الهزات والأزمات، وبسببها تراجع مستوى الخدمات، الأمر الذي يجعلنا أمام تحدٍ جديد هو تحقيق إصلاحات إدارية وتشريعية وقانونية تعزز من مفاصل هيئاتنا ومؤسساتنا، بحيث يعي المسؤول حجم مسؤوليته. وتبدأ تلك الإصلاحات بمراجعة التشريعات والقوانين والأنظمة واللوائح المنظمة للعمل الإداري والفني والوظيفي في تلك الجهات، ثم تأتي القرارات التي بموجبها يُصار إلى تسكين المسؤولين في المناصب القيادية في تلك الجهات، وهنا تصبح المسؤولية في غاية الدقة من منطلق أهمية تحقيق الإصلاح المنشود، وبالتالي ترجمة أهداف الهيئة، وتبدأ من عملية اختيار المسؤولين، وفق معايير ومقاييس دقيقة أهمها أن يكون القادم إلى هذه الوزارة أو الهيئة من ميدان العمل، ممن يملك خبرة طويلة وتجربة فريدة، ومعرفة أكيدة بالعمل الإداري والفني في تلك الوزارة أو الهيئة، لا أن يتم فرض قيادات لا تمتّ بصلة لميدان عمل المؤسسة، إذ يصبح وجود ذلك القائد الإداري كما الجسم الغريب الذي لا يمكن أن يتقبله العمل في المؤسسة، ولا العاملون فيها، ما يؤسس لمضاعفات خطيرة، وتصدعات كبيرة حتى لو أظهر الموظفون قبولاً لمن تم تنصيبه عليهم، فوجود هذا الجسم الغريب ينعكس سلباً على إنتاجية الموظفين وتعاونهم معه، وتقبّلهم له، لاسيما إذا كان ذلك المسؤول لا يملك فهماً لطبيعة العمل، ولا دراية له بحقيقة المهام المنوطة بالمؤسسة، خصوصاً إذا قام هذا المسؤول بزراعة أعضاء غريبة في جسم تلك المؤسسة، يضمن من خلالها الولاء والطاعة، الأمر الذي يجعلنا أمام مسؤولية دقيقة عند اختيار المسؤولين، بأن يكون أهم شروط الاختيار والتعيين أن يكون قادماً من الوزارة أو المؤسسة ذاتها، ويمتلك خبرة في طبيعة عملها، ومعرفة أكيدة برسالتها ولوائحها وتشريعاتها، وأن يكون أكثر قدرة على تطوير لوائح المؤسسة بما يتناسب واستحقاقات المرحلة، فضلاً عن معرفته بالقوانين والتشريعات المناسبة التي يمكن أن يفعّل بها العمل، ومعرفة ببواطن الخلل والضعف وسبل معالجتها.

إن بداية التصحيح والإصلاح ليست في تنصيب مسؤولين، وإنما في دقة اختيارهم، ومنحهم الصلاحيات كافة، وتوفير كل الإمكانات لهم.

alshamsi.n@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر