5 دقائق

صرخة غضب

حمدان الشاعر

لا شك أن اليأس والشعور بالظلم هما اللذان حركا الألوف للتظاهر ضد الساسة والمصرفيين والرأسماليين، فعلى الرغم من مرور ثلاث سنوات على الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالعالم في ،2008 فإن الغضب الذي لم ينشأ وقتئذ وظل محتقناً ومتراكماً تفجر هذه الأيام موجات احتجاج صاخبة من نيويورك إلى لندن وفرانكفورت وحتى نيوزيلندا. ما أقسى الإحساس بأن الحكومات لا تعبأ بشعوبها وأنها تحمي الأغنياء والجشعين والمصارف المفلسة والشركات الكبرى، وأنها تعاقب الأكثرية المهمشة بمزيد من الإجراءات التقشفية التي تخفض الأجور والمعاشات وتزيد الضرائب وتُسرّح الناس من أعمالها.

 يقول رجب طيب أردوغان «على رجال السياسة التفكير في تلبية احتياجات الأجيال المقبلة وليس الانتخابات المقبلة»، فالساسة الذين يرضخون لأولئك المهيمنين على الاقتصاد يدفعون بشعوبهم إلى حالة من القنوط والغضب اللذين لا يمكن مواجهتهما، فالعدالة الاجتماعية مطلب رئيس لا تستقيم معه أية أنظمة حاكمة، فلا يمكن لـ 99٪ من الشعب أن تكون ألعوبة في يد الساسة، أو تدفع ثمن رفاهية الـ 1٪ من المترفين والأثرياء الذين يعتمدون على أموال دافعي الضرائب، والذين تقدم لهم المزايا والمكافآت الضخمة بينما يعاني الملايين الفقر وشبح البطالة.

منذ زمن ليس ببعيد توقع كثيرون بعد سقوط النظام الشيوعي أن زمن الرأسمالية بدأ في الأفول، وها هي التنبؤات تتحول إلى واقع مرير يعانيه الملايين في دول قامت نهضتها على قيم العدالة الاجتماعية، فازدهار الغرب وتطوره في مجالات شتى كان مرده قيم الأخلاق التي كان المفكرون يطالبون بها، ويؤسسون فيها لمجتمع مثالي عانى طويلاً ظلام أحادية الفكر وسلطة رجال الدين، فكانت ثمرة ذلك مجتمعاً معززاً بالأخلاق وسيادة القانون، وعندما برزت سطوة الجشع وتطويع القانون لخدمة الأثرياء استشرى الفساد وانعكست تبعاته على الشعب بكل فئاته، وصولاً إلى قاع المجتمع وذوي الوظائف الدنيا والأقل أجراً، وهو الأمر الذي استتبع حالة اليأس والإحباط، والكسر الذي يصعب جبره.

هل ستنجو الرأسمالية من موت محقق؟ لن تفعل ما لم تكن هناك إعادة حساب لكل هذا السقوط الأخلاقي، فكما كانت الأخلاق الأرضية التي انطلقت منها النهضة الغربية، فهي اليوم الضمان الوحيد لمرحلة جديدة يُحارب فيها الفساد بكل أشكاله وتُستدعى فقط قيم الأخلاق وسيادة القانون.

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر