5 دقائق

الكبت

حمدان الشاعر

يتندر الكويتيون هذه الأيام بحكاية «الكبت» التي شغلت الرأي العام، فأصبحت مثار سخرية وطرافة في آن واحد، ولأن شر البلية ما يضحك فإن الضحكة صارت ملازمة لكل ما تقرأ أو تسمع أو تشاهد من حكايات الفساد. أصل الحكاية أن أحد المتهمين بالفساد عُثر في حوزته على أربعة ملايين دينار كويتي، وعند سؤاله عن مصدرها أجاب قائلاً «وجدتها في كبت أمي»، والكبت - بفتح الباء - في العامية الخليجية هي الخزانة التي تحوي ثياباً، وقد تحوي عطوراً، لكنها بالتأكيد لن تكون فرعاً لمصرف أو محل صرافة، وهكذا تحولت «كبت أمه» فجأة إلى مادة للسخرية، فهي تارةً مهر للعرسان، وأخرى مخبأ للقذافي، ومرة مسلسل عائلي.

سؤال «من أين لك هذا؟» هو الذي يكشف حقيقة أموال الفساد، ويعري الثراء المفاجئ، والإجابة المضللة بدورها مأساة، فهي ضحك كالبكاء، والاستخفاف في الرد على سؤال مهم ومحدد دليل إدانة، وكأن الأموال المنهوبة هي إرث كابراً عن كابر.

ليس المهم دحض هذا الكلام وتفنيده، فالنكتة الممزوجة بالأسى تعبر عن ذلك أصدق تعبير، وقد تتحول إلى غصة حين تثري البعض وتفقر الآخر، ومواجهة أبطال هذه الحكايات الفاسدة والصعبة التصديق التي تجعل من الأموال العامة حقاً مشاعاً بلا حسيب أو رقيب صارت فرضاً واجباً ، ولربما كان الفساد هو الشرارة التي فجّرت ثورات تونس ومصر وليبيا، فقد سئم الناس سرقة أموالهم في سبيل إثراء النخبة وإفقار شعب بأكمله.

تحولت الغصة إلى غضب شعبي عارم أوقف نزيف الأموال الذاهبة نحو حسابات خاصةً (ليست كبتاً بالتأكيد)، دون أي اعتبار للصالح العام أو ضمير يخاف المساءلة أو قيم تردعه من الانزلاق في الحرام.

و«كبت أمي» هي شرارة كويتية جعلت الشعب يقف لاستدعاء أسئلة كثيرة لضمان سلامة الأموال والضمائر أولاً، وتتجلّى اليوم في مشروعات قوانين لمكافحة الفساد والكشف عن الذمة المالية، ومطالبات لإسقاط ظاهرة الراشي والمرتشي، فالقانون كفيل بكبح جماح غول الفساد، وضمان أصول المحاسبة والمساءلة.

كم منا من يتمنى لو كان في كبت والدته كل هذه الأموال، لكن أموالاً حلالاً بعيدة عن شبهة الفساد الذي سئم الشعب العربي كثرته، وتحول إلى فضيحة تستحق المحاكمة، وتستحق أيضاً التندر والضحك على المدعين من أصحاب الخزائن و«الكبتات».

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر