رؤية

نجيب الشامسي

لقد شهد عقد السبعينات توسعاً كبيراً لفروع المصارف الأجنبية بدولة الإمارات في ظل استسهال الترخيص لها من قبل السلطة النقدية (مجلس النقد) آنذاك، واستطاعت فروع المصارف الأجنبية أن تستفيد كثيراً من الوفرة المالية في تلك الفترة، وأن تشكل قنوات لاستنزاف السيولة المحلية من داخل الدولة إلى خارجها، وكانت المصارف الأجنبية تشكل أهمية كبرى في الساحة المصرفية ولم تكن هناك رقابة حقيقية عليها من قبل السلطة النقدية الضعيفة، وكان عدد فروعها أكبر من فروع المصارف الوطنية، واستمر هذا الوضع إلى أن تم تغيير السلطة النقدية من مجلس نقد إلى مصرف مركزي بموجب القانون الاتحادي رقم (10) لسنة 1980م.

وكانت بداية التصحيح مع تقليص فروع المصارف الأجنبية إلى ثمانية فروع، لتمكين المصارف الوطنية من توسيع خدماتها وفتح فروع لها في مختلف مدن الدولة، والاستفادة من الفرص المتوافرة حتى بلغ عدد فروع المصارف الأجنبية (28) فرعاً رئيساً و(125) فرعاً في نهاية ديسمبر 2009م، تتوزع في مختلف مدن الدولة ، إلا أن المنافسة بين المصارف الوطنية والمصارف الأجنبية ظلت غير متكافئة سواء من حيث القاعدة الرأسمالية أو المستوى الفني أو نوعية الخدمات والمنتجات المصرفية، إذ تميل الكفة إلى مصلحة «الأجنبية»، فيما ظلت المصارف الوطنية تعتمد على الدعم المباشر وغير المباشر من قبل الحكومات المنشئة لها.. كما ظلت عملياتها تقليدية في معظمها، فيما استطاعت المصارف الأجنبية ذات الفروع العالمية أن تتمدد على مساحة كبيرة من السوق وتمتص جزءاً مهماً من السيولة، ومن أعداد المتعاملين رغم محدودية عددها مقارنة بالمصارف الوطنية.

إن المصارف الأجنبية إضافة إلى كونها تمتلك خبرة فنية كبيرة، وتاريخاً طويلاً وعملاء في مختلف دول العالم جعلت منها أكثر استقطاباً للمستثمرين والموزعين وحتى العملاء الآخرين، فإنها استطاعت أن تزاحم المصارف الوطنية «الإسلامية» في نوعية منتجاتها الاسلامية، حينما استحدثت أقساماً وفروعاً تقدم من خلالها خدمات مصرفية «إسلامية»، واستطاعت أن تجذب أعداداً من المتعاملين (مستثمرين وموزعين ومقترضين)، وكسبت ثقة هؤلاء المتعاملين، بعد أن أصبح عدد من المتعاملين يشكّون في قدرة المصارف الوطنية الاسلامية على تقديم نوعية من المنتجات الاسلامية وبعد أن شهدت مصارف اسلامية وطنية تجاوزات وفساداً مالياً وإدارياً، وبعد أن تعرضت هذه المصارف لأزمات مالية بعد تورطها في تقديم تسهيلات مصرفية لعملاء يقومون بعمليات لا تخضع لشروط إسلامية. وحيال أوضاع المصارف الوطنية (التجارية منها والإسلامية)، فإن هناك تشكيك بقدرة هذه المصارف على الصمود أمام المنافسة الأجنبية سواء من قبل فروع المصارف الأجنبية العاملة بسوق الإمارات، أو تلك التي ستوجد بفعل الانفتاح على الاسواق والمصارف العالمية، أو بفعل الأزمات والتجاوزات وصور الفساد التي تتفاعل في مصارفنا.. الأمر الذي يتطلب رؤية جديدة ومعالجة عملية لواقع مصارفنا الوطنية، ومدى قدرتها على المنافسة المحتدمة!

alshamsi.n@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر