5 دقائق

تعليم من دون تربية

حمدان الشاعر

تتصدر قضية التعليم المشهد العام كلما بدأ عام دراسي جديد، فتأخذ حيزاً من الاهتمام كقضية استراتيجية ذات أولوية كبرى على أكثر من صعيد وفي أكثر من بلد، بل إنها تشكل في ذاتها هاجساً مجتمعياً ووطنياً قلما تأخذه أية قضية أخرى من الاهتمام والتداول. ولئن كان السباق بين الدول نحو تطوير منظومة التعليم بهدف خلق أجيال متعلمة قادرة على النهوض بالوطن ومستقبله، فإن المؤشرات القياسية المرتبطة بجودة التعليم وعناصره ومخرجاته تبقى عاملاً ثانوياً إن خلت من قيم ومبادئ ترتقي بالإنسان خلقاً وسلوكاً. ففي مجتمعات اليوم التي تقدّس التعليم ضرورةً حياتيةً مجردة نرى الفرد فيها يكاد ينسلخ من كل شيء في سباق محموم نحو الظفر بشهادة تدر أكبر عائد مادي لأي وظيفة كانت.هذا ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني يحذر من خطر كبير يوشك أن يقوّض بنية التعليم في بلده جراء انهيار منظومة القيم التي تربت عليها أجيال كثيرة حققت عظيم الإنجازات للمجتمع البريطاني، فبعد أحداث العنف التي هزت مدناً بريطانية عديدة صيف هذا العام خرجت بعض التحليلات تصب المشكلة في خانة الفقر والبطالة، وهو الأمر الذي استنكره كثيرون بحجة وجود الآلاف من العاطلين والمعدمين ممن لم يخرجوا على النظام، بل إن هذا التصرف يشكل إهانة لغيرهم من الفقراء ممن لم يلجأوا إلى سلوك عنيف غير مبرر من سرقة ونهب وحرق وتطاول على القانون إلا إذا أخذ في الاعتبار ضعف التربية في بنية تلك المناطق المتضررة تحديداً، وهو الأمر الذي استدعى نقاشاً مستفيضاً على مستويات سياسية واجتماعية وإعلامية متنوعة كان خلاصته ضرورة الارتقاء بمعايير التربية في السياق التعليمي بصورة أكثر تأثيراً عن أي وقت مضى.

في الغرب وأميركا على وجه الخصوص كان التعليم يرتكز دوماً على تعليم مهني يقصد به تأهيل الفرد للحصول على شهادة ترتبط بمهنة ما دون بث قيم روحانية قد تتعارض مع علمانية الدولة، فقد يدرس تاريخ الأديان ولكن لا يدرس الدين نفسه، لذلك كانت القيم الروحية التي ترتكز عليها أصول التربية مغيبة في النظام التعليمي، إلا أن الوضع في عالمنا العربي والإسلامي مغاير لذلك، فالتعليم كان مرادفاً للتربية منذ نشأة التعليم النظامي على أساس أنهما شيئان لا ينفصمان، وأي منهما يكمل الآخر، علاوةً على ما لدينا من إرث حضاري وديني يصقل سلوك الفرد ويعزز معارفه وعلومه ويتماهى مع الشخصية التي يراد تكوينها في الطالب. وللأسف فإن الواقع الحالي ينبئ بفشل التربية في المدرسة لعدم قدرة المنظومة المدرسية، من إدارة ومعلمين ومناهج، على غرس القيم بحجة أن الأخيرة مكانها البيت، على الرغم من مناشدة الكثيرين، من سياسيين ومفكرين، ضرورة اضطلاع أولياء الأمور بدور أكبر في تربية أبنائهم على قيم وأخلاق ومبادئ ليس محلها المدرسة، وأن المدرسة دورها تعليمي ولن تحل محل البيت في أي حال من الأحوال. قد يكون في ذلك قدر من الصحة، لكن مجتمعاتنا ذات خصوصية يستحيل فيها القبول بتجريد التعليم من مبادئه، فلا نريد مناهج صماء، ولا معلمين منطوين على شروحاتهم، ولا إدارات تنكفئ عن النظر في الإصلاح والتوجيه، فهذه قضية محورية لن يستقيم فيها التعليم إن لم تكن التربية رافده ومحركه.

 hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر