أقول لكم
قبل ساعات قليلة من حلول الموعد، تم الاتفاق على رفع سقف الديون الأميركية، قلت لكم يوم أمس إنهم سيصلون إلى حافة الهاوية، وقد فعلوا، أخذوا العالم كله معهم إلى المجهول، أربكوا الاقتصاد والاستثمار، وشتتوا الأسواق والأسعار، إنها الديمقراطية، ديمقراطية «ليّ الذراع»، هكذا أرادوها، فهم أعلم بإدارة شؤون بلادهم، يجعلون من السياسة سلاحاً ذا حدين، ويتلاعبون بإرادة الشعب، كل واحد منهم يتحدث باسم الشعب، فهم جميعاً يمثلونه، ولكنهم لا يأتمرون بأمره في النهاية، بل بأمر الحزب الذي ينتمون إليه، وبمبادئه وأجنداته، هم أسرى التوجه المرسوم لهم، كل واحد منهم يفتح عيناً ويغمض الأخرى، لا ينظرون إلى الصورة كاملة، فقط يرون ما يريدون، ما يحقق مصالحهم، إنها الديمقراطية، والديمقراطية تصبح مستبدة عندما تتسيد، ليست الديكتاتورية فقط هي المستبدة، إنهم يكذبون علينا، فالديمقراطية تظهر لها أنياباً، وتتوحش، تطغى، تزيح كل من يقف أمامها، صحيح أنها ناعمة، لا تستخدم السلاح، ولا تعرف المعتقلات، ولا تخالف القوانين، لكنها تتصيد، تبحث عن الهفوات، وتطعن في الظهر والخاصرة وحتى في القلب، ولا تسقط قطرة دم واحدة، لأنها تمارس اللعبة المباحة، والديمقراطية تكسر الهامات العالية، تجعل الكبير في لحظة صغيراً إلى درجة الذوبان، بعد تسرب المعلومات أو شريط فيديو، رأينا قادة أحزاب ونواب كونغرس وحكام ولايات يذرفون الدمع وهم يعتذرون عن زلاتهم، ثم يختفون، يصبحون من الماضي، ويحرمون من العمل العام إلى الأبد، ولأنهم شركاء في اللعبة الديمقراطية ينزوون بعيداً، في مزرعة أو بيت على البحر يختصرون ما بقي لهم من عمر، وينساهم الآخرون، يعتبرونهم «هماً وانزاح» من أمامهم، وتدور الدوائر ولا يسلم المنتصر اليوم من غدر الزمان، يتهيأ الجميع للحظة الخروج من دائرة الأضواء والسلطة والجبروت، ويكون سعيداً من كان خروجه مشرفاً، فهذه هي الديمقراطية، انتهازية وتوحش وتكسير عظام، ضمن لعبة هي أشبه بلعبة الكراسي الموسيقية، لكنها شريرة.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .