رؤية

فخ التنمية!

نجيب الشامسي

لم تكن منطقة الخليج والجزيرة العربية سوى منطقة منسية لدى دول الغرب المتحضرة والمتقدمة، حتى بداية الثلاثينات من القرن الماضي، حينما بدأ الصراع على احتواء هذه المنطقة من قبل الشركات الإنجليزية ثم الشركات الأميركية، بعد أن دخلت هذه الأخيرة طرفاً منافساً للشركات الإنجليزية على احتواء المنطقة بحثاً عن الذهب الأسود فيها.

وعلى الرغم من أن الإرساليات التبشيرية الأميركية التي جاءت بثوب مستشفيات وعيادات تقدم العلاج، التي بدأت أولى رحلاتها عام ،1891 واستمرت حتى منتصف العشرينات من القرن الماضي، إلا أنها سجلت فشلاً ذريعاً لقوة الوازع الديني لدى أبناء المنطقة.

وفي هذا العصر وعبر العقود الأخيرة عادت محاولات الاحتواء مرة أخرى لكنها في صور حديثة وأكثر إغراءً ونفاذاً في مجتمعاتنا تشكلت تارة في ثوب الديمقراطية، وأخرى في ثوب الحضارة والتقدم والتنمية المدنية وتارة ثالثة في صورة الرغبة في تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية.

وكل تلك التسميات ما هي إلا فخاخ، الهدف منها تحقيق أهدافها في السيطرة والهيمنة على مصادر الثروة، سواء في النفط الخام والغاز، أو في الأسواق الاستهلاكية لتصريف سلعها وبضائعها وخدماتها، أو في رؤوس الأموال (الخام) التي تصب في شرايين اقتصاديات الولايات المتحدة والدول الغربية في ظل احتدام الصراع على مصادر الطاقة والثروة، وآليات الاحتواء في هذه المرة جاءت أكثر حداثة وأكثر قدرة على اختراق النسيج الثقافي والاجتماعي والاقتصادي بدول المنطقة بعد أن وجدت تلك الآليات صدى إيجابياً لدى مختلف شرائح المجتمع، وعلى مختلف الأصعدة وفي كل المستويات والمسارات، وكل تلك الآليات بحجة رغبة الولايات المتحدة ودول أوروبية في تحقيق التنمية الشاملة والوصول بمجتمعنا للحاق بركب التطور والمدنية والديمقراطية والحضارة!

لقد استشرت تلك الأفكار في مجتمع المنطقة من خلال الفن والموسيقى والسينما ومن خلال الطعام والشراب، ومن خلال السيارات والتقنيات.

ومن خلال المعارف والثقافة والعلم (المدارس والكليات والجامعات)، ثم من خلال مختلف الوسائل المدنية، وبعد مرور عقود ثلاثة أو أربعة جديدة وجدنا أنفسنا مُغرراً بنا، وقد وقعنا في فخ التنمية المشوهة كلياً، والفارغة من أية مضامين أو محتوى فكري وعلمي وثقافي وفني.

ووجدنا أنفسنا نرضع من ضرع لا يسمن ولا يغني من جوع، تنمية فارغة ومضامين جوفاء.

وأدركنا أن بنيتنا العلمية والتعليمية قد ضربت، وهويتنا الثقافية قد سُلبت، وقيمنا الأصلية قد فُرغت، وأصولنا وثرواتنا قد نهبت وأضحت رهينة في يد دول غربية لم تسع قط لتحقيق تنمية منطقتنا، ونهضة شعوبنا، بقدر ما صنعت منا فريسة سائغة لأهدافها الاستراتيجية ومصالحها الحقيقية.

وبعد حروب طاحنة وأزمات متتالية حصدت اليابس والأخضر أدركنا أننا نلهث وراء سراب اسمه التنمية، وأوقعنا أنفسنا في فخ التخلف لا التنمية، وهنا تؤكد الأيام أنه لافائدة من البكاء على الحليب المسكوب.

 

alshamsi.n@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر