رؤية

المناصب الرفيعة

نجيب الشامسي

هكذا فجأة صدر القرار المنتظر، أصبح صاحبنا مسؤولاً كبيراً، وفي وظيفة عامة ورفيعة، أياً كان موقعه أو منصبه، لكنه أصبح اليوم من أصحاب المعالي أو السعادة، صاحبنا لم يصدق الخبر! هرول ومن معه من أهل البطانة إلى السوق، يريد أن يشتري «بشتاً»، إذ يرى البعض يرتديه ولم يلبسه قط من قبل، يريد أن يشتري «عوداً»، إذ لم يكن له وجود في بيته من قبل، ملابس جديدة، طوال يومه يبحث عن كلمات الإطراء والمجاملة، فلسانه يجب أن يكون أكثر مرونة وطراوة ولمعاناً! فغداً لناظره قريب، اتصل بأحد الذين يرتدون «البشت» ليأخذ دروساً في كيفية ارتدائه، دخل مكتباً جديداً بعد قديم، واسعاً بعد ضيق، مؤثثاً بالجديد والوثير، ومضت الأيام الأولى وهو يوزع ابتساماته ويستقبل المباركين والمهنئين الحاملين معهم الورد وأصناف الحلويات، لكنه كان لابد أن يستدعي المدير المالي إلى مكتبه في اليوم الأول، ليسأله عن الرواتب والمزايا المادية والنقدية والعينية التي كان يحصل عليها سلفه، والتي سيحصل عليها، ولم ينسَ السؤال عن البدلات التي سيحصل عليها في مهماته وسفراته وغير ذلك الكثير، وفيما تمضي الأيام والأسابيع لم يفكر بعد أن يطلع على النظام الإداري والمالي، الذي ينظم العمل، ولم يجتهد في وضع أجندة العمل التي تحدد مسار التطوير الذي ينشده المسؤولون وتنتظره الدولة والناس، والذي من أجله حدث التغيير ووصل هو إلى هذا المنصب، لم يعمل هذا المسؤول على تشكيل فريق استراتيجي من مستشاريه وخبرائه وكبار العاملين معه، من أجل وضع رؤية أو استراتيجية لتفعيل دور الهيئة أو الوزارة أو الدائرة أو المؤسسة التي جاء رئيساً لها أو مسؤولاً عنها. وفيما الوضع يتراجع والعمل يتردى، فإن صاحبنا أحدث التغيير الإداري المناسب له بتشتيت الكفاءات وتوزيع «الأتاوات»، وتجنيد بعض من الموالين له والمؤمنين بفكره ومنهجية العمل لديه، حتى لو كانت منهجية تفتقر إلى العلمية والوضوح.

وفيما تفاءل بعض المتعاملين بهذا التغيير، فإن البعض الآخر أصيب بصدمة عنيفة، حينما وجد من هذا المسؤول تجاوزات كبيرة وأخطاء جسيمة، وأصبح شغله الشاغل تجيير العمل والعاملين من أجل مصالحه وأعماله الخاصة، وبدلاً من أن تكون الوظيفة العامة، أو هذا المنصب الرفيع تكليفاً وفرصة نالها من خلال ثقة المسؤولين به، فإن هذا المنصب أصبح تشريفاً فقد على أثره شرف المهنة، وزادت القناعة لديه بأن هذا المنصب ملك له، وسلطة من خلالها يمنح من لا يستحق من ذويه ومعارفه، ويمنع عن المستحق من المواطنين والمقيمين المتعاملين مع هذه الوزارة أو تلك الهيئة! وبدلاً من أن يكون عوناً للعاملين والمتعاملين، أصبح فرعوناً يمارس مختلف أشكال التهميش والتطفيش ضد من يختلف معه في الرأي، وبدلاً من استقباله المراجعين بالترحاب والاستعداد للمساعدة، حتى ولو بالكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة، عندما يكون النظام أو القانون يتعارض مع مطالبهم، فإنه يرفض ويعترض، حتى لو كان النظام يسمح واللوائح تقبل، والاستثناءات واردة فقط لذويه ومعارفه ومن له مصلحة معهم، وفجأة يأتي القرار المنتظر، الذي ينتظره الموظفون والمجتمع ومصلحة البلاد والعباد، ربما جاء في الوقت المناسب أو ربما جاء بعد فوات الأوان!

alshamsi.n@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر