رؤية

إغراق.. إغراق

نجيب الشامسي

حينما يصار إلى تكوين إدارة للإغراق في وزارة الاقتصاد، فإننا نتساءل عن مدى قناعة المسؤولين في الوزارة بأهمية هذه الإدارة؟ وهل جاء تأسيس هذه الإدارة بناءً على حاجة فعلية، أم أنها كبقية الإدارات المؤلفة لوزاراتنا التي تستحدث، لكن من دون فاعلية؟ أو يتم استحداثها وتفصيلها لتنصيب موظف عليها يرغب في مسمى مدير؟!

نحن نؤكد ـ عن يقين ـ أهمية وجود إدارة للإغراق بوزارة الاقتصاد، لكن هذا اليقين يتبدد عندما يؤكد المسؤولون والمعنيون بالشأن الاقتصادي أن الدولة بأجهزتها المختلفة يجب ألا تتدخل في السوق المحلية لأن الاقتصاد حر، ولأنهم يؤمنون بحرية الاقتصاد والأسواق، مهما استشرت فيها حالات العبث من غش وإغراق وتلاعب بالأسعار، ونصب واحتيال والمتاجرة بصحة الإنسان!

إن وجود إدارة حماية المستهلك، ثم إدارة لمواجهة الإغراق، وقبلهما إدارة الرقابة، أمر غاية في الأهمية، لكن في ظل قناعات المسؤولين وتصريحاتهم حول الحرية الاقتصادية واقتصاد السوق جعلنا غير متفائلين بأي دور ممكن لمثل هذه الإدارات، وبالتالي فإن إدارة الإغراق لن تفعل شيئاً في ظل تجزئة اقتصادية يعاني منها الاقتصاد (الوطني)، والسوق المحلية المرتهنة كلياً لشريحة التجار الأجانب، والفاقدة كلياً لهويتها الوطنية.. فأي إغراق هذا الذي نتحدث عنه، هل هو إغراق سوق العمل بعمالة رخيصة ؟! هل هو إغراق السوق المحلية بالخدمات الرديئة؟! هل يعني إغراق أسواقنا المحلية بالسلع والبضائع المغشوشة والرخيصة التي تجد إقبالاً كبيراً من قبل شرائح المجتمع بسبب رخص ثمنها، وفي ظل تراجع المقدرة الشرائية لديها، ثم القوة الشرائية للدرهم؟!

هل تستطيع هذه الإدارة بل وزارة الاقتصاد التصدي لتجار الجملة والتجزئة والمورّدين ومعظمهم من الأجانب الذين يشكلون تحالفات استراتيجية في ما بينهم ليغرقوا الأسواق بسلع مقلدة ومغشوشة وليعرضوا صحة المستهلك والبيئة الاقتصادية والاستثمارية لتبعيات سياسة الإغراق، التي يحسنون ممارستها في ظل دعم كبير من بعض أصحاب النفوذ التجاري والاقتصادي في الدولة؟! هل تدرك وزارة الاقتصاد أن هناك تجاراً مستوردين يستوردون سلعاً وبضائع من دول مختلفة، لاسيما الصين تتسم بنوعيتها الرديئة، وصناعات مقلدة على الرغم من وجود بضائع وسلع في الدول المصدرة تتسم بنوعية جيدة، مستغلين ضعف الوعي لدى المستهلك، أو تواضع قدرته الشرائية ثم الثغرات الواضحة في القوانين والتشريعات، ثم في تنافس موانئ الدولة وإدارات الجمارك على استقطاب تلك النوعية الرديئة من البضائع لتعظيم إيراداتها، حتى لو كان ذلك على حساب صحة الإنسان والسمعة الاقتصادية والاستثمارية والتجارية للدولة؟!

نحن لا نريد إدارات صورية ومسميات شكلية، بقدر ما نريد قرارات نافذة وقوانين رادعة وسياسات محصنة للاقتصاد والإنسان والوطن!

 alshamsi.n@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر