رؤية

تجارة (الطبيعي) و(الحلال)!

نجيب الشامسي

إن الحملات الإعلانية والتسويقية، التي تنظمها شركات متخصصة، وتروج لها صحافتنا ووسائل إعلامنا لتعزيز النزعة الاستهلاكية في مجتمعنا، وتمتص ما في جيوبنا، أو ما تبقّى من الراتب أو الأجر الشهري، غالباً ما نجد فيها المبالغة، وتحمل في طياتها الكثير من التجاوزات الواضحة في ظل رقابة غذائية واستهلاكية، وفي ظل ضعف دور الجهات التي ترعى المستهلك وتحمي حقوقه، وفي ظل غياب الوعي الاستهلاكي لدى شريحة كبيرة من أفراد المجتمع.

بعض السلع الغذائية والاستهلاكية تحمل عبارات «الطبيعة» أو «طبيعي»، وهي أبعد ما تكون عن الطبيعة، وبعض السلع تحمل شعار «الحلال»، وهي أبعد ما تكون عن الحلال، لكن الحملات الإعلانية والتسويقية، التي لا تميز بين الطبيعي وغير الطبيعي، والحلال والحرام، تحقق نجاحاً باهراً وغير طبيعي في الترويج لتلك السلع، فجل عبوات المياه تحمل عبارة «مياه طبيعية، أو مياه نبع طبيعي!»، وهي ليست سوى مياه البحر، يتم تكريرها وتعبئتها في تلك العبوات وتسويقها وبيعها في أسواقنا على أنها مياه طبيعية نقية، وكأن شركات تعبئة المياه «الطبيعية» تقول لنا «فلتشربوا ماء البحر!»، وهكذا تقول لنا محطات المياه التي تتوزع في مناطق مختلفة، والتي تأتي بمياه عادية من صنابير المياه لتضيف لها كماً من الكلور، لتبيعها لنا على أنها مياه حلوة وطبيعية، لتفاقم من معدلات المصابين بالسرطان في مجتمعنا!

وهذه هي حال أسواق الخضراوات، التي تسوق وتبيع لنا خضراوات باعتبارها طبيعية! إذ أصبح مصطلح «الطبيعية» أن تتم زراعة أرض زراعية وبكميات غير طبيعية من السماد الكيماوي، لتضخيم حجم الإنتاج وتحقيق أرباح قياسية على حساب صحة الإنسان! والدجاج «المذبوح حلالاً» يتم إنتاجه أيضاً من مزارع «غير طبيعية)، وتتم تربيته بإعطائه غذاء غير طبيعي، بما في ذلك حقنه بالإبر، ليس الأنسولين أو الفولترين، وإنما إبر لتضخيم اللحوم وبيعها على أنها طبيعية، وحينما يتناولها الإنسان الطبيعي يتأكد له أنها غير طبيعية، سواء في مذاقها أو طبيعة لحومها، ليتحول الإنسان بفعل الدجاج «الطبيعي» إلى إنسان غير طبيعي!

كل هذا يدخل في إطار التجارة والكسب «الحلال» في أسواقنا ومحالنا، ومن «الطبيعي» أن يصبح لحم الخنزير، الذي يباع في كبريات محال السوبر ماركت مكتوباً عليه «ذبح حلال»! ولا نستبعد غداً أن تباع الخمور في هذه المحال على أنها من نبع طبيعي ومقطر «بالحلال»! ويباع ليصبح الدخل حلالاً، سواء في بيعه أو تصنيعه أو تسويقه «إنها تجارة الحلال»!

هذه السلع الغذائية من طعام وشراب تباع في أسواقنا وتدخل من منافذنا، لنأكل ونشرب منها، باعتبارها طبيعية وحلالاً! وتدخل جوفنا بالحلال مثلما تدخل إيراداتها وقيمتها إلى جيوب أبناء «الحلال»! فما الحرام إذن؟ وما الطبيعي؟! هناك من يأكل الحرام، ويشرب الحرام، وينام قرير العين على أموال الحرام، وهناك من يدفع ثمن الطبيعي والحرام من صحته وقيم مجتمعه!

alshamsi.n@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر