لنحاول بلغتهم ولو بركاكة

توقفنا الأسبوع الماضي حول قلة عدد الإسبان الذين يجيدون الإنجليزية، لكن في مدن أخرى كبرشلونة مثلاً، تجد البعض أكثر قدرة على فهم الإنجليزية، وفي زيارة لي إلى أحد فنادق هذه المدينة فوجئت بمدى طلاقة موظفة الاستقبال في التحدث بالإنجليزية بلهجة أميركية، وكانت شقراء، ظننتها أميركية، أجابتني بالنفي قائلة إنها مكسيكية، لكنها عاشت طفولتها في الولايات المتحدة.

اللاتينيون من قارة أميركا الجنوبية والوسطى، ممن يجيدون اللغة الإنجليزية، أكثر حظاً من الإسبان أنفسهم في الحصول على وظائف مناسبة في الفنادق أو «كاونترات» الاستعلامات الخاصة بالسياح، خصوصاً مدينة مدريد التي يسكنها عدد كبير من العمالة اللاتينية، وأغلبهم لا يجيدون الإنجليزية، وقلة فقط من فئة المتعلمين منهم يحظون بالوظائف الجيدة. لذا، انصح كل من يرغب في زيارة إسبانيا بأن يعلّم نفسه بعض الجُمل والأساسيات البسيطة عبر الكتيبات التعليمية أو الأقراص المدمجة، فهى مفيدة، وستعينه على تدبير بعض أموره. شخصياً، أفادتني بعض الزيارات إلى بعض دول أميركا اللاتينية في تعلم بعض الجمل الإسبانية، لكنْ هناك اختلاف في اللهجة الإسبانية في إسبانيا وفي الدول اللاتينية، بل إن اللهجة في أميركا الجنوبية مختلفة بين الدول في هذه القارة، فقامت الأرجنتين باستحداث قواعد تعليمية في أساسيات اللغة الإسبانية تختلف عما هو قائم عليه في إسبانيا، الأمر الذي أزعج الإسبان أنفسهم، ويغضبون في حالة استخدام الأجانب القواعد الأرجنتينية في مخاطبتهم، وتوجد حالة من التشابه في إسبانيا مع بريطانيا، إذ ينزعج البريطانيون عندما يخاطبهم أجنبي باللهجة الأميركية، والإسبان ينزعجون عندما يخاطبهم أجنبي باللهجة الأرجنتينة، لكنهم يتقبلون ذلك من قبل اللاتينيين.

لعل القراء الأعزاء قد سمعوا عما قامت به السلطات الفرنسية العام الماضي من طرد عدد كبير من المهاجرين الغجر القادمين من رومانيا نحو دول أوروبا الغربية، بعد دخول رومانيا عضواً في الاتحاد الأوروبي، إذ اندفع هؤلاء الغجر على نحو مخيف إلى دول أوروبا الغربية لممارسة أعمال السرقة والنشل والنصب والتسول والبغاء، ولي تجارب سيئة مع هؤلاء في برشلونة وباريس، وانزعجتُ كثيراً منهم في إحدى الزيارات، إذ كانوا يستجدون المارة والسياح في أحد أجمل شوارع العالم، شارع الشانزليزيه، وأبديت استغرابي لأحد الأصدقاء الفرنسيين، الذي كان بصحبتي، فقال لي إنه سمع هذا الرأي من اصدقائه الأجانب الذين زاروا باريس بصحبته، وأنه يؤيد هذا الرأي، لكن الاتحاد الأوروبي ومفاهيمه يقدس حرية التعبير بجميع أوجهه، فالتسول والاستجداء أحد عناصر الديمقراطية، وإن كانت عناصر قبيحة، لكن السلطات الفرنسية، على الرغم من حالة الغضب الأوروبي تجاه تصرفها، قررت طرد هؤلاء الغجر، لأن الأمر قد بلغ حده، ولم تعد قادرة على احتمالهم.

في يوم كنت أتجول في شوارع باريس بمفردي، اعترضت طريقي فتاة غجرية، واسقطت من يدها أمامي خاتماً ذهبياً ثقيلاً، وقالت لي بالفرنسية «سيدي هل هذا الخاتم لك؟»، كنتُ أعلم جيداً بحيل هؤلاء، وأجبتها بصعوبة شديدة بفرنسية ركيكة بما معناه «كلا عزيزتي، تستطيعين الاحتفاظ به»، وعندما لاحظت ركاكة فرنسيتي تحولت إلى الإنجليزية بطلاقة غريبة، قائلة «سيدي، خذ هذا الخاتم الثمين مقابل 50 يورو».

أنكمل بقية الحكاية الأسبوع المقبل.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة