5 دقائق

انهيار إمبراطورية

حمدان الشاعر

 

كما تسقط الدول ها هي إمبراطورية روبرت مردوخ الإعلامية توشك أن تنهار، فله ما لغيره من سقوط وانقلاب وتنح! فبعد صعود مذهل ونفوذ تسلط على مفاصل الحياة العامة في الغرب، آن له أن ينكشف بفضائح تنصت وابتزاز ورشى لسياسيين ورجال شرطة طوال أربعة عقود خلت. استطاع مردوخ اليهودي أن يرتقي سلم النجاح عبر تخطيط مدروس للاستحواذ على الصحف وشبكات الإعلام التي كبرت شيئاً فشيئاً حتى غدت إمبراطورية يهابها الساسة ورجال الأعمال والمشاهير، واستطاع أن يجعل منها مطية للتأثير في الوعي والإدراك لدى القارئ والمشاهد لتحقيق أهدافه - أي مردوخ - أو نشر آرائه ومعتقداته.

تحول الإعلام في عهد روبرت مردوخ من صناعة الحدث إلى «فبركة» الحدث، ومن التقصي إلى التجسس، ومن مهنية تراعى فيها القيم إلى سلوك شعبوي تسقط فيه أي أخلاق أو مشاعر تقتضيها الظروف والجغرافيا، وأصبح السبق الإخباري هاجساً لا يتورع فيه عن استخدام أي وسيلة مهما تدنت مادامت تدرّ مزيداً من المبيعات والإعلانات، ولذلك لا حرج لديه من التعري والابتذال أو رشوة المسؤولين أو انتهاك خصوصية الآخرين في سباق محموم نحو «خبر» مهما كانت توابعه.

لقد لعبت وسائل إعلام مردوخ دوراً بغيضاً - ومازالت - في تأجيج كراهية جمهور كبير للعرب والمسلمين حين أضرم مزيداً من النيران بُعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ونجح في غرس صورة نمطية عن المسلم بأنه إرهابي بالفطرة، وأن لا حقوق مشروعة للعرب في فلسطين، علاوة على لجوئه الحثيث إلى إذكاء روح الكراهية تجاه العرب في قنوات «فوكس» الإخبارية دون رادع مهني أو أخلاقي، ورغم أنف شركائه العرب.

السيطرة على الساسة والتأثير في القرار السياسي كان هدفاً رئيساً لإمبراطورية مردوخ التي بوسعها إبراز نجم سياسي مهما ضؤل شأنه، وعدم التورع عن حرق أي منافس مهما عظم إن لم يكن يلبي شروطها، وإذا كان المال عنصراً أساسياً في إنجاح القادة والزعماء فإن الإعلام هو مفتاح الفوز وعجلته التي تفتح له آفاق الترقي وأبواب الشهرة والنفوذ.

ربما استطاعت ثروة مردوخ أن تشتري الإعلام وتؤثر في الناس، ولكن لجوءه إلى أساليب وضيعة لا تراعي أصالة ودور السلطة الرابعة من شأنه أن يقوض كل نجاح قد حققه، وأن يجعل إمبراطوريته تغرق في بحر من الاعتذارات والتحقيقات الجنائية والتعويضات، التي لن تمر بسلام، فليس من السهل أن تستعيد سمعتك بعد أن تفقدها، ولا مفر من السقوط، فالدوائر تدور دوماً على الباغي.

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر