رؤية

اقتصادات الخوف

نجيب الشامسي

في ظل التطورات والمستجدات والحروب الاقتصادية التي يشهدها العالم في عصرنا الحالي، يبرز سؤال مهم، حول ما إذا سيتمخض عن ذلك مفاهيم اقتصادية ودراسات تحليلية تعتمد الخوف كأحد الأسباب الفاعلة والأسلحة الفتّاكة في الحروب والصراعات الاقتصادية المستفحلة بين دول العالم.

نعم، في هذا الزمن أصبح الخوف سلاحاً فتّاكاً ومؤثراً وخطراً تستخدمه الدول الصناعية لابتزاز دول العالم الثالث، لاسيما الصغيرة منها، فقد استخدمت الدول الصناعية الحروب البيولوجية لتحقيق أهداف مالية واقتصادية كان آخرها مرض «أنفلونزا الخنازير» ضدّ دول العالم، وتمكنت من ابتزاز الكثير من المال، بعد أن تمكنت من توظيف إعلامها في زرع الرعب والخوف والهلع في أوصال مجتمعات العالم الثالث، لتدفع حكوماتها مئات الملايين لشراء لقاح هذا «الوباء» من قبل الشركات المنتجة للقاح، وهناك أمراض جديدة جارٍ التحضير لها في مختبراتها، ستستخدم في حروب مقبلة لابتزاز ما بقي من مال في عالمنا الثالث.

ومن خلال زرع عدم الثقة، ونشر الخوف بين مجتمعات ودول العالم، استطاعت هذه الدول الصناعية تصدير أسلحتها وتحريك مصانع السلاح لديها، وإملاء أسعارها وشروطها على دول العالم الثالث، التي تشتري هذه الأسلحة من دون مناقشة، حتى لو كلفت خزائنها الكثير، وشكلت عبئاً كبيراً على موازناتها، واستأثرت بالنصيب الأكبر من الإنفاق الحكومي، إذ سجلت معدلات الإنفاق العسكري معدلات قياسية، وجاء ذلك على حساب مشروعات التنمية والإصلاح وحقوق الإنسان، حينما دفعت الشعوب الكثير من تبعياتها، خصوصاً بعد أن استطاعت الدول الصناعية تصدير الخوف، ليس بين الدول في المحيط الإقليمي فحسب، وإنما زرعه في علاقة الأنظمة بشعوبها، لتدفع بها نحو تجنيد جيوش من البشر في الاستخبارات والأجهزة الأمنية، ليس خوفاً من الخارج، وإنما من الداخل!

من صور الخوف أيضاً، على صعيد الفرد والأسرة في المجتمع الواحد، خوف الفرد من الحاضر والمستقبل، ومن أفراد الأسرة أو من المجتمع وأفراده، وكان للأزمات النفسية والاجتماعية الناجمة عن حالة الخوف التي انتابت وتنتاب الفرد والأسرة، استشراء نزعة الاستهلاك لشراء ما يحتاج إليه الفرد أو ما لا يحتاج إليه من سلع كمالية لا تشكل ضرورة له أو لأسرته، حتى لو كان ذلك من قروض شخصية، إذ أصبحت تلك المشتريات مسكنات لحالة الخوف التي انتابته، وكل تلك السلع يتم استيرادها من مصانع الشرق والغرب، وهنا تصبح الدول المصدرة للسلع والبضائع الاستهلاكية هي المستفيد من حالة الخوف.

ومهما تعددت صور الخوف، الذي تصدره الدول الصناعية إلى دول العالم، فإن الهدف يبقى واحداً، وهو استثمار الخوف في تعزيز وجودها وحضورها العسكري والاقتصادي والأمني في مناطق مختلفة من العالم، في إطار صراعها المحتدم، ونزعتها في السيطرة على الأسواق والثروات الطبيعية المتوافرة في تلك المناطق.

alshamsi.n@hotmail.com

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر