رؤية

حينما يرحل الكبار

نجيب الشامسي

في ديسمبر المقبل تكون دولتنا الغالية، حفظها الله من كل مكروه وحقق لها الاستقرار والأمن والتنمية، أكملت أربعة عقود من عمرها، وحينما نشخص الواقع الإداري في ظل تقسيمنا عمر دولتنا حتى الآن إلى فترتين، فإننا سنجد أن الفترة الأولى (العقدان الأولان) شهد العمل الإداري فيها تطويراً نوعياً وملموساً، لأن القيادات الإدارية من وزراء ووكلاء ومديرين وسفراء وبقية الموظفين، كانوا يدركون حقيقة المسؤوليات المنوطة بهم، وكانوا يستشعرون حقيقة الانتماء، الذي كانوا يترجمونه إلى أعمال وأفعال، وكانوا منشغلين بالمشاركة الفاعلة في تأسيس الدولة وتطوير هياكلها الإدارية، وتنمية مفاصلها الاقتصادية، ولم يكونوا منشغلين بأمورهم الشخصية، وتنمية محافظهم الاستثمارية وأعمالهم الذاتية، فكانوا يعطون للوظيفة العامة حقها، لاسيما أنهم كانوا يمتلكون حنكة إدارية ورؤية تنموية وإحساساً بالمسؤولية، وأمانة علمية، كما كانت المحاسبة ذاتية، والرقابة كانت مسؤولية، والوظيفة كانت تكليفاً ولم تكن تشريفاً.

وعلى الرغم من تلك الصفات والقدرات والخبرات، فإنهم رحلوا عن وظائفهم، ليس لأنهم لم يعودوا قادرين على الاستمرار في تحمل مسؤولياتهم، أو لعجز في فكرهم أو قدراتهم، وإنما كان ذلك من منطلق رؤية التغيير والرغبة في التحديث، ومواكبة التطوير، وفسح المجال أمام دماء جديدة تواكب التحديث والتطوير، وربما تمتلك قدرات وإمكانات لا يمتلكها ذلك الجيل!

رحل الكبار، سواء بإرادتهم أو غير إرادتهم، لكن رحيلهم لم يكن سهلاً على مسيرة الدولة ومواطنيها، ولم يكن إيجابياً على مسيرة العمل الإداري والتنموي في الدولة، فقد رحلوا وهم في قمة عطائهم ويمتلكون خبرة لا يمكن تعويضها، ولم تشهد فترتهم أي انتكاسة إدارية أو أزمات وظيفية أو فساد إداري، لقد كان جيلاً حصّن الدولة ومكّنها في خريطة التنمية العالمية، وسجل لها حضورها المتميز وحافظ على مكانتها وسمعتها الدولية، وفيما نجد أن الدول المتقدمة تحافظ على ذوي الخبرة والأمانة والمسؤولية حتى لو تجاوز بهم العمر ووصلوا إلى العقد الثامن، فإن مسؤولينا من أهل الخبرة يرحلون أو يرحّلون وهم في ريعان العمر، وعز العطاء!

alshamsi.n@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر