رؤية

الاستقلال الاقتصادي العربي

نجيب الشامسي

هل تأكل الشعوب العربية أو تشرب مما تزرع أو تحصد أو تنتج؟! هل تلبس هذه الشعوب مما تصنع أو تنسج؟! حتماً الإجابة سلبية، إذن لا خير في أمة تأكل مما لا تزرع أو تلبس مما لا تصنع.

وهذا هو ما يشكل لب الاستقلال الاقتصادي، الذي يشكّل حلماً صعب المنال على دولنا العربية، إذ يتجسد الاستقلال الاقتصادي هذا في تحقيق إنتاج حقيقي في السلع والبضائع والخدمات لتغطية احتياجات المجتمع، وتصدير الفائض منه، لكن معظم دولنا العربية، إن لم تكن جميعها، ما زالت تعتمد على الشرق والغرب في تلبية احتياجات شعوبها، بعد أن كانت قبل عقود تنتج وتنسج وتحصد، وبدلاً من أن يكون شعبنا العربي منتجاً أصبح يعاني البطالة، ويستفحل فيه الفقر والحاجة والعوز! وأصبح شغله الشاغل توفير لقمة العيش، حتى لو كانت مغموسة في محيط من الفساد، ومس بالكرامة! ولم يكن ليصل الشعب العربي لهذه الحال، إلا بسبب سياسات اقتصادية وتنموية خاطئة وخطط واستراتيجيات مشوهة وفاشلة! ومن الطبيعي أن يصل حال العرب إلى ما آل إليه وضعهم، حيث انعدام الاستقرار الاجتماعي، وتفشي الفقر والبطالة والجوع، إذ كان ذلك سبباً مباشراً للثورات التي شهدتها بعض الدول العربية خلال النصف الأول من العام الجاري.

من ناحية أخرى، فإن تفشي الفساد المالي والإداري، وغياب القوانين والتشريعات الاقتصادية، جعل من البيئة الاستثمارية بيئة طاردة لرؤوس الأموال الوطنية قبل الأجنبية، وهذا أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية، وبالتالي الاجتماعية والمعيشية، كما حد من تحقيق الاستقلال الاقتصادي المنشود.

من هنا، فإن الاستقلال السياسي مرهون بتحقيق الاستقلال الاقتصادي، وهذا الأخير يتطلب وجود بيئة اقتصادية واستثمارية محفزة ومشجعة لرأس المال الوطني، ثم في وجود استراتيجيات تنموية ناجحة، وتخطيط اقتصادي واضح وشفاف، ثم وجود مؤسسات وهيئات اقتصادية وإدارية وقانونية تحمي الحقوق وتصونها، وفي ظل الاختلالات الاقتصادية التي تعانيها الاقتصادات العربية، والتشوهات الناجمة بفعل الفساد دُفعت حكومات بعض الدول العربية إلى تقديم التنازلات، التي تمس سيادتها الاقتصادية والسياسية، لتؤكد من خلالها انتقاص استقلالها الاقتصادي، الذي ترتب عليه انتقاص في استقلالها السياسي، إذ وضحت جلياً الإملاءات والتدخلات الأجنبية المشبوهة، التي فاقمت من الأوضاع الداخلية، ومست مفاصل المجتمع وأركانه، في ظل وجود حكومات فاسدة نفذت ما يطلب منها، وكان من الطبيعي أن يحدث الانفجار، وأن تتصدع تلك الحكومات، وأن يشهد عدد من الدول العربية انهيارات تؤكد حجم الأخطاء وفداحتها في السياسات الاقتصادية والسياسية ومشروعات التنمية البشرية والتنموية، يحدث هذا في ظل توافر كل مقومات وعناصر القوة في اقتصادات تلك الدول، سواء الموارد الطبيعية أو الطاقات البشرية، لكن يبدو أن تعثر التنمية، أو تعطيلها، في تلك الدول خدم مصلحة فئة معينة من المجتمعات، لكن كان لابد من أن تدفع تلك الفئة ثمناً باهظاً!

alshamsi.n@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر