رؤية

تحويلات العمالة.. إلى أين؟

نجيب الشامسي

لا يكفي أن تشكل العمالة الأجنبية في الإمارات خصوصاً، ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربي عموماً، خللاً كبيراً في التركيبة السكانية، وضغوطاً مخيفة في سوق العمل بدول المجلس، ووجعاً أمنياً للجميع، وصديداً لهوية الوطن واستقراره، وتنميته، لتشكل أيضاً فوق كل هذا نزيفاً للسيولة، يؤثر وبشكل سلبي في مختلف أوضاعنا المالية والنقدية والمصرفية والاقتصادية. فالتحويلات التي تحولها العمالة الأجنبية إلى خارج حدود الوطن سجلت أرقاماً تصاعدية تستوجب التوقف عندها، إذ ارتفعت وفقاً لبيانات مصرف الإمارات الصناعي (نشرة نوفمبر 2009) بنسبة 31٪ في عام ،2008 لتبلغ 40 مليار دولار مقارنة بـ30 ملياراً و500 مليون دولار في عام .2007 ولتأتي دول المجلس في المرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة التي بلغ حجم التحويلات الخارجية منها 47 مليار دولار في عام ،2008 فيما تشكل نسبة التحويلات 7٪ من الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون، مقابل 0.3٪ من الناتج المحلي الأميركي.

إن تحويلات العمالة الأجنبية من دول المجلس بهذا الحجم، وفي ظل هذا التصاعد، إنما تشكل استنزافاً للسيولة المحلية، وضغطاً على موازين المدفوعات لدول المجلس، ومؤشراً سلبياً لأوضاعنا الاقتصادية، يستوجب المعالجة الموضوعية، من خلال تفعيل متطلبات السوق الخليجية المشتركة، بانتقال القوى العاملة الخليجية، وتمكينها من سوق العمل في دول المجلس، في ظل حرية الانتقال، وتكافؤ الفرص، والتأمينات الاجتماعية التي نص عليها إعلان السوق الخليجية، اعتباراً من الأول من يناير ،2008 إذ يحد هذا الانتقال في ظل هذه الظروف، استنزاف السيولة المحلية من أسواقنا بهذا الحجم، ثم يحقق الأمن الوظيفي، ويخفف من معدلات البطالة المتصاعدة بين شرائح المواطنين، ويحقق استقراراً وأمناً، ويحافظ على هوية المجتمع وشخصيته الخليجية، ثم يتم تدوير تحويلات العاملين من أبناء دول المجلس في محيط اقتصاداتنا الوطنية، لاسيما في ظل الظروف المالية والاقتصادية التي تمر فيها المنطقة، بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية، وقبل كل هذا يحقق أهداف مجلس التعاون في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية، ويعيد التوازن إلى التركيبة السكانية في دول المنطقة.

وفي ظل عدم قدرة دول المجلس على الاستغناء عن حجم معين من العمالة الأجنبية، بسبب متطلبات التنمية، واستحقاقات العلاقات مع دول معينة، فإن بالإمكان استثمار هذه التحويلات، أو جزء منها بتدويرها في اقتصاداتنا الوطنية، من خلال صناديق التأمينات، أو صناديق استثمارية تحقق الهدف منها للدول، لاسيما تخفيف الضغط على موازين المدفوعات، ثم تحقيق عائد مناسب لأصحاب الأموال المودعة أو المستثمرة من الأجانب.

إن دول المجلس مطالبة اليوم من خلال سلطاتها النقدية المركزية، بإيجاد حلول لإبقاء السيولة في محيط اقتصاداتنا، والحد من استنزافها على هذا النحو الذي أشرنا إليه آنفاً، لاسيما أن المصارف التجارية تحتاج إلى هذه السيولة، وشركاتنا واقتصاداتنا تحتاج إلى زيادة حجم الطلب المحلي، لتحقيق معدلات نمو اقتصادية جيدة.

alshamsi.n@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر