رؤية

الزهايمر السياسي!

نجيب الشامسي

التغيير أمر طبيعي في حياة الأمم والشعوب الطامحة نحو التجديد والتطوير والتنمية، والتغيير هنا ينسحب على النظم الإدارية والمالية وحتى السياسية، سواء كان التغيير في الأفراد بمن فيهم القيادات، أو في النظم والتشريعات والقوانين التي يجب أن تواكب مراحل التطوير والتنمية.

ولكن يبدو أن بعض الأنظمة السياسية العربية لا تؤمن بأهمية التغيير، لا في ذاتها وأشخاصها، ولا في أجهزتها وقوانينها وأنظمتها الإدارية والمالية، بقدر ما تؤمن بأن وجودها على رأس هذه الدول، إنما هو قدر محتوم، وأن عليها أن ترث الأرض ومن عليها، وما في باطنها، وكأنها مصابة بمرض «الزهايمر»، بحيث جعلها تنسى أن التغيير هو قدر الدول والشعوب، ومطلب التجديد والتطوير، وهو سلوك إنساني يفضي إلى إشاعة الأمن، وتحقيق الاستقرار، وترجمة برامج التنمية.

ها هي بعض الأنظمة العربية التي لم تؤمن بالتغيير في الأفراد، والتجديد في الأنظمة، والتحديث في القوانين والتشريعات، بدأت تجدف عكس التيار الذي يشهده العالم، ومرض الزهايمر جعلها تنسى ما حدث في السابق، وما يحدث للدول والشعوب الإنسانية في هذه الفترة، وفي كل مرة تحدث اضطرابات في الوطن وتمكنت أجهزة الأمن من كبتها، ومحاصرة المتسببين فيها واعتقالهم، اعتقدت تلك الأنظمة السياسية أن تلك الاضطرابات دليل عافية النظام الحاكم، وتؤكد سلامة الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية.

ومن الطبيعي أن يصاب المجتمع بصداع طارئ، وبقليل من المسكنات تتجسد بإطلالة قائد الأمة في خطبة عصماء، وتغيير في مسميات أو مراكز أعضاء الحكومة، ولا بأس في حفنة من المال، وإعلان أجوف عن تطوير الخدمات، وتحقيق الإصلاحات حتى يزول ذلك الصداع، ويتراجع ذلك الاحتقان ليتحول إلى تأييد شعبي عارم، ولما كانت تلك الأنظمة أضحت غير عابئة بضرورات التغيير، ومطالب الشعوب بأهمية التجديد والتطوير، لمواكبة ما يحدث في العالم ومنه دول الجوار، ومن أن التغيير هو قدر الشعوب بسبب الزهايمر السياسي الذي أصابها، فإنه من الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى احتقان صعب، وصداع مزمن، خصوصاً بعد أن تنسى تلك الأنظمة قدر الشعوب وإرادتها، ورغبتها الشديدة في التغيير، ليس في النظام السياسي فحسب، وإنما في الأجهزة التنفيذية المستأثرة والمستفردة بكل شيء، والمستفيدة والمستحوذة على كل الفرص، إنما تنشد التغيير في الأنظمة والقوانين والتشريعات البالية التي أضحت معطلة للتنمية، والتطوير، والتجديد، والعدالة في الفرص الاستثمارية والوظيفية.

وحينما لم يحدث التغيير المنشود، وحينما لم تعبأ الأنظمة السياسية القائمة بمطالب الشعوب واحترام إرادتها، وحينما عزلت هذه الأنظمة نفسها في أبراج عاجية، ومنت نفسها بعمر مديد، وحب شديد، وتأييد دائم من قبل الشعوب، فإنه لابد من الخـروج، وكسر القيود، وحينها لن تجدي المسكنات من خطب، ولعبة التعديلات في الحكومات نفعاً، بل إن الشعـوب خرجت بمطالب محددة وشعار واحد هو: «الشعب يريد إسقاط النظام».

alshamsi.n@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر