رؤية

ظاهرة الاتجار في البشر.. المواجهة والتحصين

نجيب الشامسي

إذا كانت جريمة الاتجار في البشر أضحت ظاهرة دولية ابتلي بها مختلف المجتمعات الإنسانية، بما فيها المجتمعات الصغيرة والاقتصادات الناشئة، فكيف يمكن لدولة الإمارات، ذات المجتمع الصغير الذي يضم جنسيات عدة، والاقتصاد الناشئ، تحصين نفسها ضد هذه الظاهرة وتداعياتها، خصوصاً أن اقتصاد الإمارات وأسواقها باتا يتنفسان المناخات العالمية الملوثة بمختلف أنفلونزا الأزمات والظواهر السلبية؟

إن الاتجار في البشر ظاهرة دولية وجريمة منظمة تتسرب آثارها في المناخات الاستثمارية التي ننشدها، والتجارة الدولية التي نسعى لنكون شركاء فيها، ورؤوس الأموال الأجنبية، أو السيولة الدولية المثخنة بالفساد، فكيف يمكن أن نحصن مجتمعنا ونصون اقتصادنا من تداعيات تلك الظاهرة المنافية لأخلاقيات المجتمع وقيمه؟

إن المواجهة لا تأتي إلا بتضافر مختلف الجهات والمؤسسات التشريعية والتنفيذية والإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني، فالمؤسسات الإعلامية مطالبة بأن تضطلع بدورها المسؤول عن قضايا الإنسان والمجتمع، خصوصاً مع انتشار قنوات فضائية لا همّ لها سوى تمييع الوعي وإسفاف الفكر وتغييب القيم، بعد أن افتقرت إلى المهنية والتخصصية والشعور بالمسؤولية، ودأبت على إضعاف الوعي مع إثارة الغرائز الحسية المثيرة للانزلاق في أتون ممارسة جرائم لا أخلاقية ولا تمتّ بصلة إلى قيم المجتمع، ومؤسساتنا الحكومية المرخصة للأنشطة التجارية مطالبة بالعمل على زيادة الحرص على عدم الانزلاق في الترخيص لأنشطة في ظاهرها سياحية، ولكنها قد تكون منخرطة في الاتجار في البشر، مع التأكيد على عدم الخلط بين الاستثمار السياحي والاستقطاب السياحي وبين ممارسات لا يقبلها المجتمع. ومؤسسات المجتمع المدني، من جمعيات مهنية ومؤسسات ثقافية ودينية، معنية أيضاً بتحصين المجتمع وأفراده من الانزلاق في ممارسة جريمة الاتجار في البشر من خلال برامج مخططة، وحملات تثقيفية نوعية ومكثفة، وندوات ومحاضرات وورش عمل تسلط الضوء على هذه الظاهرة لتشرح أبعادها وأسبابها وتداعياتها ومخاطرها. ثم يأتي دور التشريعات التي تقضي على كل صور الفساد المؤدية إلى النزوع إلى ممارسة هذه الجريمة من خلال تشريعات نافذة وقوانين فاعلة.

من ناحية أخرى، فإن الوزارات المعنية والدوائر المحلية مطالبة بالتأكد من طبيعة الأنشطة المرخص لها ورقابتها، للحيلولة دون انحراف نشاطها التجاري إلى المتاجرة في الإنسان وأخلاقيات وقيم المجتمع.

alshamsi.n@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر