رؤية

كيف يواجه العرب أزماتهم؟!

نجيب الشامسي

إذا كانت الدول العربية تحرص على مواجهة الأزمات والمحافظة على الأنظمة السياسية القائمة، فإن الخطوة الأولى هي اعتراف النظام السياسي بمدى حجم وفداحة المشكلات والأزمات المختلفة، خصوصاً الاقتصادية والاجتماعية منها، وحجم تأثير وتداعيات هذه الأزمات المزمنة؛ ويتم ذلك من خلال تشخيص الواقع وتحديد الأسباب الداخلية منها والخارجية، والسياسية منها أو الفكرية والثقافية أو الاقتصادية والاجتماعية، وتحديد الأطراف المسؤولة عن تلك الأسباب جميعها، إن كانت النظام السياسي أو الشعب ذاته أو كليهما معاً.

إن الإقرار بالأخطاء وتحديد تداعياتها إنما هي الخطوة الأولى في سياق تصحيح الأوضاع ومواجهة الأزمات، وإذا كانت بعض الأنظمة العربية أدركت مدى مسؤولياتها عن حجم أخطائها في حق شعوبها، وعملت على تقديم مسكّنات مؤقتة لامتصاص الغضب الشعبي، سواء كانت تلك المسكنات مادية أو مالية أو تنازلات سياسية، أو تعديلات دستورية أو وزارية في محاولة منها لدرء (الخطر) المقبل مع الثورات الشبابية والشعبية، فإنه حري بها أن تعمل جاهدة لفتح حوار يتسم بالشفافية والصدقية مع شعوبها، والعمل على وضع آليات دستورية وتنفيذية وفنية وإدارية لإشراك الشعب في اتخاذ القرارات المصيرية من خلال مجالس برلمانية منتخبة، وعدم الاعتماد الكلي على الدعم الأجنبي والتحصين الأمني، إذ أثبتا فشلهما الذريع، وتخلت الدول «الداعمة» عن الأنظمة «الفاسدة» بكل سرعة وسهولة، بعد أن تخلت قبل ذلك عن زعامات كبيرة لم يكن أحد يتوقع أن تتخلى عنها، مثل الرئيس الفلبيني ماركوس، ثم شاه إيران محمد رضا بهلوي.

إن تلك الشراكة بين الحاكم والمحكوم المتسمة بالوضوح والشفافية، هي السبيل الوحيد نحو تجنب الأزمات ومعالجة التحديات وتجاوز العقبات، وصناعة مستقبل واعد وتنمية حقيقية في الدول العربية، وبالتالي فإن اختيار الحاكم للقيادات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، المبني على أساس معايير موضوعية كالكفاءة والقدرة والمعرفة والانتماء الحقيقي للوطن، هي الخطوة الأولى في إطار التصحيح والمعالجة بعيداً عن المحسوبيات والولاءات الشخصية أو الطائفية أو الإقليمية أو القبلية، إذ لن يفضي ذلك إلا إلى وجود شرذمة من الفاسدين والانتهازيين والوصوليين الذين لن يكتفوا بتخريب مشروعات التنمية وتعطيل الخطط وتهميش الشعب فحسب، وإنما سيكونون سبباً مباشراً في الإطاحة بالأنظمة السياسية، كما حدث خلال الفترة الماضية، وكما هو واضح في المشهد السياسي العربي، خصوصاً أن الأنظمة السياسية العربية أدركت أن الدول «المساندة» لن تفرط في مصالحها الاستراتيجية عبر الاستمرار في دعم أنظمة سياسية متشبعة بالفساد ونهب ثروات العباد، بعد أن قالت الشعوب العربية كلمتها وهزت أركان النظام السياسي العربي، وبعد أن تأكد للدول «المساندة» أنه لا بديل عن الاعتماد على أنظمة سياسية ديمقراطية نابعة من اختيار الشعوب، تؤمن بالإصلاح والتنمية منهجاً، وتعترف بحقوق شعوبها.

alshamsi.n@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر