رؤية

من يتحمل أخطاء مصارفنا ؟

نجيب الشامسي

كشفت الأزمة المالية العالمية عام 2008 مدى هشاشة وضعف القاعدة الرأسمالية للعديد من المصارف العاملة في الإمارات، ومنها مصارف وطنية. ليس هذا فحسب، بل تأكد لنا مدى الأخطاء الجسيمة والتجاوزات الخطيرة التي مارستها مصارف عبر عقود أربعة مضت، مستغلة تراخي السياسة المصرفية، وغياب الدور الفاعل والحيوي للرقابة والتفتيش عليها من قبل المصرف المركزي، ثم مساءلة الجمعيات العمومية فيها، وكذلك ضعف المتابعة والرقابة من قبل السلطات المحلية في الإمارات التي تمثل المرجعية في إنشائها.

لم تكن أخطاء بعض المصارف تقتصر على توزيع الائتمان المصرفي فيها على أعضاء مجالس إداراتها، كما حدث في عقدي السبعينات والثمانينات، الأمر الذي عرضها إلى شح في السيولة، دفع إلى تدخل المصرف المركزي للمطالبة بوضع مخصصات لمواجهة الديون المعدومة، أو المتعثرة، أو المشكوك في تحصيلها.

لم تقتصر على هذا، وإنما استمرت هذه المصارف في عقد التسعينات بالتوسع في ائتمانها، لكنها توسعت هذه المرة في تمويل مشروعات عقارية ومضاربات في الأسهم. ومن المؤسف حقاً، أن هذا التمويل أو التسهيلات المصرفية الواسعة، لم تكن بناءً على دراسة لأوضاع المقترضين، لمعرفة مقدرتهم على السداد، ولم يكن هناك تمويل موضوعي للأصول المقدمة، مشروعات أو ضمانات، خصوصاً العقارية منها، عند قيام هذه المصارف بمنح قروضها أو تمويل مشروعات المتعاملين معها، بل اعتمدت على التقييم الذاتي لتلك الأصول والضمانات والمشروعات، وكان لابد من وجود مقّيم محايد ومحترف، سواء عند الاقتراض أو عند عرض تلك الأصول للبيع لتحصيل مديونياتها.

جاءت بالتالي نتيجة التقييم غير الموضوعي من قبل المصارف ذاتها، ومع تداعيات الأزمة المالية العالمية التي كانت سبباً في تعرض هذه المصارف إلى شح في السيولة، عرض تلك المصارف الأصول للبيع من دون تقييم موضوعي من قبل مقّيمين محايدين ومتخصصين، إذ تم عرضها بأسعار منخفضة عن قيمها الحقيقية، وعن قيمتها عند منح القروض، ما شكل إجحافاً حقيقياً للمقترضين، خصوصاً أن هذه المصارف لم تجحفهم عند تقييم أصولها وبيعها بأسعار منخفضة فحسب، بل بمطالبتهم بسداد فروقات القروض الممنوحة لهم، ما كبدهم خسائر أخرى!

إن هذه المصارف التجارية التي أخطأت في حق المساهمين والمودعين والمقترضين، بتوسعها في الائتمان دون دراسة موضوعية، ودون تقييم حقيقي، عليها أن تتحمل تبعات هذه الأخطاء، دون تحميل المقترضين وحدهم ثمن أخطائها وتجاوزاتها، لاسيما في ظل الأزمة المالية العالمية التي تمثل ظروفاً استثنائية، ويجب أن تحكمها معايير وأحكام استثنائية أيضاً، وعلى المصارف والمقترضين، وكذلك الجهات الحكومية، أن يتحملوا تبعات تلك الأزمة مشاركة، دون تمكين المصارف التجارية من المقترضين لتحملهم أخطاءها وتجاوزاتها، وبالتالي تحميل المقترضين كامل تبعات الأزمة!

لقد ذهبت المصارف بعيداً حينما أصبحت تلاحق المدينين قانونياً، لتنأى بنفسها عن تحمل تبعات أخطائها وتجاوزاتها، وتبعات الأزمة المالية وانعكاساتها، بعد أن قامت ببيع أصولهم ومشروعاتهم بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية، وأقل من القيمة المحددة من قبلها عند فتح حسابات التمويل. فهل من المعقول حدوث هذا؟ وهل من الإنصاف إطلاق يد المصارف لظلم المقترضين لتفاقم من حجم خسائرهم؟!

alshamsi.n@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر