رؤية

المتميـزون

نجيب الشامسي

في كل مجتمعات العالم، توجد هناك شريحة متميزة بعطاءاتها، وعلومها، وقدراتها، ومدى التصاقها بمجتمعها، وتفانيها في عطائها لأبناء وطنها. وهؤلاء هم الذين يمثلون ثروة الوطن، إذ يجدون كل التقدير والاحترام في دول متقدمة، أسهم هؤلاء المتميزون في صناعة وصياغة تقدمها وتنمية شعوبها.

وهنا نتناول شريحة من أولئك المتميزين بعطائهم في مجتمع ينشد التنمية، ووطن ينشد الاستقرار والحضور العالمي، مثل الإمارات، حيث المتخصصون في الطب والتعليم، والذين صرفوا وقتهم الطويل في التعليم المهني والنوعي، لسد حاجة المجتمع، وسنوات طويلة من عمرهم قضوها بين الكتاب والدرس ولايزالون. فمهنة الطب تحتاج إلى استمرار المتابعة لأحدث علوم الطب، والعلاجات، والأدوية، والتجارب الناجحة، وحتى الفاشلة في هذا الحقل الصعب، وذلك بعد سنوات طويلة وجهود كبيرة في دراسة مختلف التخصصات، ثم حضور مؤتمرات عدة، والاطلاع على مختلف التجارب، والطبيب الذي امتهن مهنة المتاعب هذه، التي تحتاج إلى الدقة وتحمل المسؤولية، يضع نفسه على مدار الساعة، رهن الاتصال بالمستشفى الذي يرتبط به على مدار 24 ساعة.

أما التعليم، فهو مهنة مقدسة ومسؤولية جسيمة ووطنية، وعلى تماس مباشر بالإنسان والمجتمع، بالحاضر والمستقبل، لأن المعلم يصنع ويحضّر لأجيال المستقبل، وقيادات الوطن، يفرز في عقولهم روح الولاء والانتماء، والوعي والتربية، ويزرع في قلوبهم القيم والأخلاق ومبادئ الدين الإسلامي الداعية للتنمية والسماحة ونبذ التطرف، وها هو المعلم الذي يقضي يومه بين المدرسة يدرّس ويوجه ويدير، وفي المنزل يقرأ ويصحح ويحضر، قد تنتهي حياته بين الكتاب، والقلم، والدفتر.

هذا الطبيب، وهذا المعلم المتميزان بعطائهما، المخلصان لواجباتهما، الصانعان أجيال اليوم، والبانيان مستقبل الوطن، لا يجدان تقديراً كافياً من قبل مؤسسات المجتمع المدني، ولا من قبل جهات حكومية معنية، فرواتبهما متواضعة، ولا تتناسب مع حجم عطائهما، بل يصار إلى مساواتهما بموظفين لا يجاوز عطاؤهم نصف عطاء الطبيب والمدرس، ورواتبهما لا تزيد على رواتب الموظفين الذين يقضون جل وقتهم في حديث الهواتف، ولقاءات الأصدقاء والزملاء في مكاتبهم، والتواصل مع «المعارف» عبر «الإنترنت»، فيما يقوم البعض الآخر منهم باستثمار وقته في إدارة مصالحه وتنمية مدخراته.

وفيما يحصل هؤلاء على الترقيات، ويتقلدون المناصب، والعلاوات الاستثنائية، فإن المتميزين في عطائهم من مدرسين وأطباء لا يجدون حتى كلمة شكر، وفي نهاية المطاف تتم إحالتهم إلى التقاعد. حينها يتأكد لهم أنهم لا يملكون من الدنيا إلا حطامها، والفتات من المال وهو راتب تقاعد، لا يسمن ولا يغني من جوع!

alshamsi.n@hotmail.com

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر