رؤية

تونس وتقارير التنمية المزيفة

نجيب الشامسي

إن التقارير الدولية عن مختلف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بما فيها تقارير الأمم المتحدة حول التنمية الاقتصادية والتنمية البشرية في الدول العربية، إنما هي تقارير مغلوطة، لا تعكس الواقع، و«تلمع» الواقع المعكوس عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً أنها تعتمد على بيانات وإحصاءات ومعلومات رسمية في بناء رؤيتها. وفي كثير من الأحيان، نجد أن هذه البيانات غير دقيقة، والقصد منها الترويج الإعلامي ليس أكثر.

إن معدل النمو الاقتصادي المرتفع، يختلف عن معدلات التنمية الاقتصادية الفعلية، كما أن معدل دخل الفرد المرتفع، لا يعكس بالضرورة حقيقة الوضع، إذ إن السواد الأعظم من أبناء الدول العربية لا يستفيدون من هذا الدخل، فقسمة الدخل القومي على عدد السكان ليست معياراً دقيقاً يعكس توزيع الدخل على أفراد المجتمع، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبالتالي مستوى التنمية البشرية في هذه الدولة أو تلك، إذ لا يمكن الاعتماد على معايير كمية أو رقمية عند الحديث عن التنمية البشرية والعدالة الاجتماعية في توزيع الدخول، وإنما السؤال هنا حول حقيقة الأوضاع المعيشية والاجتماعية في دولنا العربية.

إن الانسياق وراء تقارير دولية لا تعكس الواقع، خصوصاً التقارير الاقتصادية والتنموية التي تصدرها شركات أو منظمات دولية، إنما تفاقم الواقع وتناقضه، ولعلنا هنا نشير إلى الانفجار الذي حدث في تونس في بداية العام الجاري، بعد أن ضاقت الحال بالناس بسبب البطالة والفقر، وتخلف الخدمات الصحية والاجتماعية، وتراجع معدل دخل الفرد، وارتفاع الأسعار، وزيادة كلفة المعيشة.

ولم تكن تلك التقارير تعكس حقيقة الواقع المعيش، ولم ترصد المستويين الاجتماعي والثقافي، وواقع البنية التحتية، وحقيقة المناخ الاقتصادي، وواقع الفساد المتفشي الذي أكده حجم الأرصدة المهربة والمنهوبة من المجتمع والاقتصاد، ولم تكن تلك التقارير لتعكس حقيقة الحريات بما فيها حرية التعبير، ما فاقم الأوضاع في تونس، في ظل غياب صوت الشعب الذي ما كان أمامه إلا أن يخرج عن بكرة أبيه، محطماً القيود والتسلط، ومطالباً بحقوقه التي سلبت منه.

إن الانفجار الذي حدث في تونس يؤكد غياب الشفافية والموضوعية في تقارير التنمية البشرية التي وضعت تونس، لسنوات طويلة، في المراتب الأولى على مستوى الوطن العربي، وجاء هذا الانفجار ليؤكد تزييف حقائق التحديث والتطوير والتنمية في المجتمع، والمغالطات الفجّة في حقوق الإنسان على أرض الواقع، وأمام هذه الحقائق والمتناقضات والتباينات بين ما يكتب وما هو في الواقع، يتفاقم الوضع ويحتقن المجتمع، ويصاب بتورم كان لابد أن يأتي يوم وينفجر، ليدحض كل ما تمت كتابته في تقارير التجميل والتلميع، ويتأكد للعالم أن الكثير مما يكتب، ويُطبل له، ويروج له، إنما هو زيف في زيف.

alshamsi.n@hotmail.com

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه

تويتر