5 دقائق

إقرار ذمة

حمدان الشاعر

من عجائب القدر أن يتم حبس أبناء رئيس جمهورية خلال أشهر قليلة ليتبدل الحال من عز إلى ذل، ومن القمة إلى القاع، فالأعمال بخواتيمها والأمور بعواقبها، وهكذا سنة الأيام، فالذل والعز يقررهما العلي القدير فهو يعز من يشاء ويذل من يشاء، ولقد كان من الأهمية بمكان أن يحاكم الفساد والمفسدون دون تحديد أو استثناء، لتجرى العدالة وفق نواميس هي الأصلح للبشرية، ولضمان استدامة الحياة على هذه الأرض.

والأمر ليس بغريب في دولنا العربية، فالفساد تحول إلى ثقافة وسلوك منهجي لدى المسؤولين دون خجل أو وجل، فبمجرد اعتلاء المنصب حتى يصبح السعي حثيثاً للحصول على أكبر قدر من المكاسب والمنافع، فأراضي الدولة مشاع يجوز الاستحواذ عليها بلا مقابل أو بثمن بخس، والتسهيلات المصرفية أياً كان حجمها مفتوحة وبلا ضمانات، والوكالات التجارية هي حق حصري للمسؤول أو أقربائه، والمشروعات الاستثمارية لهم فيها الأولوية دون بقية الشعب، والمناقصات لا يتم ترسيتها إلا عليهم، والعلاج الحكومي في الخارج لهم، والتعليم المتميز لأبنائهم دون عامة الناس، وهكذا في نهج استفزازي لفئات الشعب يتأصل الفساد عرفاً وسلوكاً دون رادع قانوني أو أخلاقي. ومن هنا جاءت أهمية أن يقر أي مسؤول بذمته المالية قبل تسلمه منصبه حتى لا يخون البريء، ولا ينجو المسيء بفعلته، وحتى تكون الأمور في نصابها الصحيح دون زيادة أو نقصان، فهذا الإقرار من شأنه أن يحافظ على المال العام ويعزز في المسؤول معنى الأمانة وشرف المسؤولية، فلا يخشى أي تهمة قد يواجهها في أي لحظة، ولو طبق هذا الإقرار في مراقبة الذمة المالية لما هربت اليوم هذه الثروات العربية إلى أقاصي الدنيا، وما صار جمعها ضرباً من المستحيل، ولما كانت الاتهامات اليوم تترى والتظاهرات تتزايد جراء إهدار المال العام. لقد أفلست دول وتبخرت مليارات كانت الشعوب أحق بها بسبب أصحاب الذمم «الواسعة»، الذين وجدوا في المنصب العام وسيلة بشعة لاستغلال النفوذ ونهب حقوق أجيال الحاضر والمستقبل.

لا يختلف اثنان على أن المنصب العام تكليف وتشريف، ولا يهم بالتالي أن يتشدق شاغل الوظيفة بأن المنصب الذي يحظى به مسؤولية لا توازيها أي مسؤولية، لأن الواقع يقول إن المنصب العام شرف وامتياز وحصانة ومكانة ووجاهة، وغيرها من المغريات التي تجعل المسؤولية تختفي شيئاً فشيئاً، فتضيع معها الأولويات ومصالح الوطن والمواطنين.

والعاقل من يتعظ بتجارب غيره، فإقرار الذمم المالية بات مطلباً ضرورياً لضمان حقوق كل الأطراف، ولا أظن أحداً يعارضه مادام هناك قانون يطبق بشفافية واستقلالية تهتم بحفظ المال العام وصونه ممن استحّله دون رقيب أو حسيب.

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر