رؤية

حينما يولد الأغنياء من رحم الفقر

نجيب الشامسي

ليس بالضرورة أن تُولّد البيئة الفقيرة مجرمين، ومنحرفين، وشاذين في السلوك والسيرة، وإنما يمكن أن تكون هذه البيئة ولادّة لعظماء ومفكرين ومبدعين ومبتكرين وأغنياء أيضاً، فالفقر مسألة نسبية، وإذا ما كانت إرادة الإنسان وقناعته موجودتين، وروح التحدي لديه ناهضة، فإنه يستطيع أن يحوّل فقره إلى غنى.

وقد أكدت لنا السير والتاريخ أن العظماء من البشر، والأغنياء أيضاً، هم من مناطق نائية وفقيرة مادياً، ولكنها غنية بالتماسك الاجتماعي، ومتوافرة في الغنى الفكري والعقلي والذهني، واستطاعت شريحة منهم أن تحول حالة الفقر التي تحاصرهم إلى حضور متميز، بما في ذلك وجودهم في ساحة الأغنياء والأثرياء، من رجال وسيدات أعمال آمنوا بأن الفقر ليس قدرهم، وأن الفقر المادي ليس بالضرورة أن يكون قيداً أبدياً يحد من انطلاقتهم، ويحّجم تفكيرهم، ويحطم إراداتهم، فكان لهم ما أرادوا.

لقد أكد التاريخ الاقتصادي أيضاً، أن الأغنياء والأثرياء كان مكان ميلادهم بيئة نائية فقيرة، ولكن صلابة إرادتهم وحصافة تفكيرهم، ونضج وعيهم، كانت عوامل مساعدة على أن يكسروا حالة الفقر، ويسطروا لحياتهم منهجاً من أجل بناء ذاتهم، وممالكهم التجارية، وثرواتهم المتزايدة.

هناك في البيئة الفقيرة والمناطق النائية، أناس ينتجون، دفعتهم الحاجة والإرادة نحو التحدي أيضاً، وفي تلك البيئة أناس يأكلون ويشربون ويلبسون ويشاهدون، ويستمتعون، الأمر الذي أوجد طلباً على السلع والبضائع التي ينتجها الأغنياء والتجار، أو يستوردونها، أو يسوقونها، وحيثما يوجد طلب أو يتزايد، يحدث الغنى، خصوصاً في بيئات نائية متسمة بالكثافة السكانية، وتزايد المواليد فيها.

من ناحية أخرى، فإنه توجد في المناطق الفقيرة والنائية مزارع كثيفة، ومزارعون منتجون، وطبيعة المزارع في تلك المناطق، تمسكه بأرضه، والتباهي بما يملكه من مساحة زراعية، وعدد الحيوان من بقر وماعز ينمو من دون تكلفة كبيرة، ما يعني زيادة ثروته من الإنتاج الزراعي، والثروة الحيوانية بأقل تكلفة.

كما أن تلك البيئات هي مناطق خصبة للحرفيين الذين يبدأون صغاراً، وينتهون أغنياء، بعد أن يتمكنوا من التكيف مع بيئاتهم، وتدر أكثر الصناعات الحرفية في كل المجتمعات الإنسانية، دخلاً صافياً متزايداً، دون تكلفة إنتاج عالية، بعد أن يعتمد الحرفيون على طاقاتهم الجسدية، وذهنيتهم المتجددة، وحرفيتهم المتميزة في التصنيع، والتسويق، والتصدير إلى أسواق المدن.

وأخيراً، فإن فقراء تلك البيئات، عادة ما يتحلون بالقناعة، ويتسمون بالصبر مع المتاجرين معهم، والمساهمين في تجارتهم تلك، وبالقيم الفاضلة التي تحكم تعاملاتهم، وتعزز فيهم الثقة، وتلك أهم متطلبات العمل التجاري، وأهم أسباب النجاح.

alshamsi.n@hotmail.com

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر