في الحدث
كرة القدم والثورة المضادة
الحديث عن الثورة المضادة في مصر وتونس أمر بديهي في الظروف الراهنة، فليس غريباً أن يروج أعوان وأنصار نظام مخلوع لإشاعة الفوضى والشغب وإثارة الفتن لتفريغ ثورة الشعب من مضمونها، وتبديد المكاسب التي حققها. ووسط الحديث عن الثورة المضادة، جاءت أحداث الشغب التي أفسدت مباراة أقيمت في القاهرة بين فريقي الزمالك المصري والإفريقي التونسي في دوري الأبطال الإفريقي «عبث في موضع الجد».
بيان ائتلاف شباب الثورة المصرية عن هذه الأحداث جاء راقياً، إذ دعا الجهات المعنية إلى اتخاذ مجموعة من الخطوات تتمثل في: إجراء محاسبة شديدة الحسم لكل من شارك في هذه الكارثة فعلاً أو تحريضاً ولو بالتصريح المثير لمشاعر الجماهير، وتقديم اعتذار رسمي لنادي الإفريقي التونسي وللحكومة والشعب التونسين، ودان التجاوزات على الأشقاء التونسيين «الذين استلهمنا منهم روح الثورة».
ورغم أن أحداث الشغب في هذه المباراة تصب في مصلحة ما يمكن تسميته «أنصار وأعوان النظام السابق والمستفيدين منه»، إلا أن التفسير العاجل من جانب كثيرين، وقبل أي تحقيق بأن ما جرى من تدبير الثورة المضادة جعلني أشعر بقلق ما سببه الإسراف في الحديث عن «الثورة المضادة»، وأنه بات لدى الناس «تفسير جاهز سريع» للأحداث، الأمر الذي يقود للابتعاد عن جذور المشكلات الحقيقية وكثير منها سببه النظام السابق، لكنها بالتأكيد لن تحل «بشكل تلقائي» بمجرد رحيله.
قد يكون ما حدث مدبراً، خصوصاً أن أعوان النظام السابق يلجأون للهجوم في مراحل يبدو فيها النظام الجديد غير مكتمل البنيان أو مرتبكاً، لكن من ناحية أخرى فإن الاسراف في هذا الحديث وإرجاع كل شيء إلى الثورة المضادة قد يصيب بالإحباط عدداً لابأس به من غير المسيّسين.
ليس هناك من شك في أن الثورات الشعبية تواجه بثورات مضادة، حدث هذا في شيلي بقتل الرئيس المنتخب سلفادور الليندي، وفي إسبانيا باستيلاء الجنرال فرانكو على الحكم، وأوضح صورها كانت عودة «البوربون»، لحكم فرنسا عام 1814 أي بعد 25 سنة من اندلاع الثورة ضد الملكية المستبدة، لكن الثورات المضادة تفشل دائماً في تثبيت أركان حكمها.
إن أعظم ما تنجزه الثورات الحقيقية ليس خلع حكام مستبدين والتخلص من أنظمة قمعية ومحاكمة الفاسدين، وإنما أعظم إنجاز للثورة هو شعور الشعب بالثقة في نفسه، وبأنه فاعل وقادر على الفعل وليس مفعولاً به على الدوام، وهذا ما يجعل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء عملية مستحيلة.
نعم عاد «البوربون» لكن الفرنسيون ثاروا ثانية في عام ،1848 وعادت إسبانيا ملكية دستورية في منتصف السبعينات من القرن العشرين، أما بينوشيه قاتل الليندي فقد قضى السنوات الأخيرة من حياته قيد الإقامة الجبرية.
الثورة المضادة ليست قدراً.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .