5دقائق

بطانة فاسدة

حمدان الشاعر

أزعم أن كثيراً من ثورات الشعوب العربية الواقعة قسراً تحت حكم استبدادي مضت عليه عقود طويلة لم تكن لتنشأ لولا وجود تلك البطانة التي عزلت الحاكم عن شعبه، وأفسدت له أمور دولته، فلو كان لزين العابدين بن علي أو مبارك أو من سيلحق بهما عن قريب، رجل ناصح مخلص يضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار، ويرى استقرار النظام توأماً لرفاهية الشعوب، لما وصل الأمر إلى كل هذا الغضب وهذا الغليان، فهناك انفعال واضح تكاد تقرأه على وجوه المتظاهرين، وتشعر به في هتافاتهم المشحونة بالحنق على النظام وأعوانه وزبانيته، وكل ما تمثله من ظلم وبغي واستعباد.

قديماً كان هناك ما يعرف بـ«الناصح الأمين»، وهو المستشار المقرب الذي يسدي للحاكم أو من في منزلته النصيحة المجردة، التي تجعله يرى فيها صالح الحاكم والأمة، والأغلب فيها قول الحقيقة من دون مواربة أو مجاملة أو خوف، التي تأتي عارية من أية شبهات أو منافع شخصية، فتجرد الناصح من الأهواء والمصالح، وتجعله أميناً على الحاكم واستدامة حكمه، ومستأمناً على حقوق الرعية ومصلحتهم.

لعل استبعاد أهل الحكمة والعلم والمروءة، وتقريب عصبة الفساد من دائرة القرار، لا تنم عن سلوك أخرق فحسب، بل تدل على تربص متعمد ونية مبيتة، في أن يضرب بعرض الحائط حاجات الشعب وتطلعاته، والاستعاضة عنها بجوقة من المتسلقين والانتهازيين، وممن يتلذذون بالنفوذ والحماية والرعاية، كي يصبح ويمسي في نفاق وتطبيل وتهليل لرؤوس الفساد والاستعباد، فالانحراف عن النهج السوي في الحكم الرشيد، عبر تقريب أهل الباطل واستعداء الناصح الأمين بالتغييب والتجاهل أو المحاربة أو بأية صورة كانت، هو أحد أسباب التخلف الذي تعانيه مجتمعاتنا العربية جراء انعدام عناصر القوة فيه، ومواطن العزة والشرف والكرامة.

رغبة الشعوب اليوم في إلغاء إرث الماضي بخيباته ونكساته، ورفض كل رموزه من أحزاب، كالتجمع الدستوري في تونس، أو الوطني في مصر، دلالة أكيدة على فساد تلك البطانة التي مالأت الحاكم، ومدت له في غيه، ولم تعمل على التغيير إلا بالقدر الذي يعزز من نفوذها ومصالحها، ناهيك عن كونها استشعاراً حقيقياً بأنها لم تعمل لمصلحة الشعب، فلذلك وجب استئصالها من الحياة السياسية إلى الأبد.

في التاريخ أمثلة شاخصة لهم، وفي واقع اليوم هم كثرة تعمد إلى الدوام على النهج نفسه، الذي لا يرى أبعد من مصلحته، ولا يرى أكبر من ولي نعمته، يتباهى بنفوذه، وهو في أعماق نفسه ذليل يخشى الفقر، ويرى المهانة في أعين الناس.

hkshaer@dm.gov.ae

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر