رؤية

ثورات في وطن الثروات

نجيب الشامسي

إن ما تشهده دول عربية من ثورات على الأنظمة الحاكمة فيها، أمر طبيعي ومنطقي، في ظل حصار مثلث الرعب لشرائح عريضة وكبيرة من أفراد المجتمع في تلك الدول، فقد فاض الكيل، وبلغ السيل الزبى، وأصبحت شرائـح كبيرة تقع تحت خط الفقر، في وقت يتفشى فيه الفساد، ويسرق قوت العباد، وتصدر ثروات البلاد إلى دول غربية منها وشرقية، تودع في حسابات سريـة، لتشرق شمس الحرية، وتعلن أسرار الحسابات المخفية، فيصاب الجميع بصدمة عنيفة، سواء أهل البلاد، أو حتى لصوصها، وحتى الإعلام وشعوب الأرض.

لم تأتِ تلك الثروات لدوافع خارجية أو أجنبية، وإنما لأسباب ودوافع داخلية وطنية، كانت العوامل الاقتصادية هي الدوافع المباشرة لها، فالفقر أصاب مختلف شرائح المجتمع، إلا النظام الحاكم ومن يدور في فلكه، والبطالة تفشت وسجلت معدلات قياسية، إلا من كان موالياً للنظام، وكوت الأسعار بنيرانها مختلف شرائح المجتمعات، إلا أهل النظام والموالين له، وفيما الفساد يضرب بأطنابه، وخفافيش الليل تمتص دماء الشعوب وعرقها، وتصادر أحلامها في العيش بأمن وسلام وكرامة، جاءت ثورات الشعوب التي لم تكن مطالبها سوى قدر بسيط يتمثل في تخفيف أعباء الحياة، بوظيفة تغنيهم عن السؤال، وتؤمن لهم لقمة عيش كريمة، ومسكن يضمهم وأسرهم، وتلك حقوق أساسية وحياتية ودستورية، خصوصاً إذا كانت الدول غنية بثرواتها ومصادر دخلها، وعلى الرغم من كل محاولات الشعوب، ونداءاتها المبحوحة، كان لا بد من الخروج إلى الشارع بدافع القهر والظلم، والرغبة هذه المرة في التغيير وإسقاط الأنظمة، التي جثمت على صدورهم عقوداً طويلة، وحرمتهم أبسط حقوقهم، ونهبت لقمة عيشهم وعرق جباههم!

لم يكن هذا الخروج بمطالب معيشية، وإنما كان بمطالب أكبر وسقف أعلى، إنه إسقاط النظام، وكسر مشاعر الخوف الذي كان سلاح الأنظمة الحاكمة طوال تلك العقود.

إن وطننا العربي الذي يمتلك قاعدة عريضة من التنوّع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحضاري، وطاقات بشرية مبدعة ومبتكرة وقادرة على صناعة مستقبل زاهر لهذا الوطن، وثروات هائلة زراعية، وصناعية ومائية، قادرة على العودة سريعاً إلى الساحة الدولية، بعد التخلص من أنظمته الفاسدة، وتحرير شعوبه من حالة الخوف الذي انتابت تلك الشعوب وحاصرتها عقوداً طويلة.

لقد كسرت تلك الشعوب حالة الخوف، وانتفضت على استكانتها، وخرجت لتقول كلمتها ليس في وجه الأنظمة الفاسدة فحسب، وإنما في وجه الدول الكبرى المساندة لها، لأنها المستفيد الأكبر من فساد تلك الأنظمة. كما أن الثورات أرغمت دول العالم على احترام الإنسان العربي، والاعتراف بثورته ومطالبه الطبيعية.

alshamsi.n@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر