5دقائق

شباب اليوم

حمدان الشاعر

لماذا تبدو الثورات وكأنها مفاجأة، وكأن هؤلاء الثائرين الشباب ليسوا منا ولم يكن لهم في يوم من الأيام إخوة وأبناء.. هؤلاء الشباب لم يخرجوا فجأة أو نبتوا في أرض لا نعرفها.. إنما هي المطالب البسيطة جداً والمشروعة جداً هي التي أشعلت شرارة غضبهم لتتحول إلى ثورة أذهلت العالم، وأذهلت كل من راهن على انحسارها أو فشلها أو إخمادها، والمذهل كذلك هو ذاك التشابه الفريد بين البدايات والنهايات وبين الوسائل والشعارات.

هؤلاء كانوا نتاج فشل الكبار في إتاحة الحياة البسيطة لهم، فالحياة لا تعني «استمتعوا، غنوا، ارقصوا»، بل هي امتداد إنساني للاحترام والتقدير للإنسان مهما كان وهي أيضاً أحقية توزيع الفرص بالتوازي، وتقدير الكفاءات والمواهب، والحدّ من الفساد وإهدار المال العام.

لا يمكن اختزال ثورة الشباب في مقدرتهم على التنظيم باستخدام وسائل الاتصال الحديثة أو شبكات التواصل الاجتماعي كـ«فيس بوك» أو «تويتر»، فذلك تسطيح شديد للفكر الثوري لدى كثير منهم، فالثورة جاءت نتيجة حتمية لمعاناة مستمرة على أكثر من صعيد وإدراكاً حقيقياً أن وقت التغيير قد أزف وأن الانتفاضة قد حان وقتها. ما يحرك الشباب اليوم هو طموح منطقي نحو غدٍ أفضل بعيداً عن أية تعقيدات سياسية أو شعارات مؤدلجة. فهكذا اشتعلت الثورات وتساقط الطغاة كأحجار الدومينو واحداً تلو الآخر كأسلافهم من جبارين وطغاة، فرغم ما أوتوا من قوة وبأس كان ثمة يقين لدى الشباب أن النصر آتٍ، ومن رحم المعاناة يولد الأمل.

الشباب اليوم أكثر انفتاحاً لما يحدث حولنا وأكثر انعتاقاً مما رسخ في أذهان كثيرين من أفكار جامدة، فالسفر والاطّلاع على تجارب الدول ومعرفة اللغات الحية وإتقان فنون التواصل مع الثقافات الأخرى، ومشاهدة الأفلام وزيارة المعارض والمشاركة في المؤتمرات وتجريب الأجهزة والتقنيات الحديثة، كل ذلك أسهم في تطور معرفي لدى جيل اليوم.

شباب اليوم ليسوا «جرذاناً» حتى يسهل اصطيادها أو قوارض لا همّ لها سوى الطعام، وهم كذلك ليسوا مُدمني «حبوب هلوسة» أو مخدرين لا يعون ما يفعلون أو يقولون، بل هم أكبر من ذلك وأكبر من أي خطابات رجعية عفا عليها الزمن.

فلعلّنا نتعلم منهم من يكون هؤلاء الشباب، وكيف أنهم رفضوا أن يستمروا كحياة أهليهم بتقديم مزيد من الخنوع والتنازل.

لو فقط قدّرت تلك الأنظمة البائدة هؤلاء الشباب وأدركت حجم طاقاتهم المعطلة لما غادروا سراعاً.. تباعاً.. غير مأسوف عليهم.

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر