مزيداً من الإغراق!
مقيم أجنبي استغل الثغرات الموجودة في قانون المناطق الحرة في الدولة، وأخذ يبيع تأشيرات الإقامة بسعر 19 ألف درهم، من خلال رسائل نصّية بعثها إلى عشرات، إن لم يكن مئات الآلاف من البشر.
لقد بلغت به السذاجة إلى إرسال هذه الرسالة إلى كثير من المواطنين، يعرض الخدمة عليهم، وبلغت السذاجة أشدها، حين أرسل ذات الرسالة إلى مدير إدارة الجنسية والإقامة في دبي، اللواء محمد المري، وبالتأكيد فإن الإرسال العشوائي للرسائل لم يتح له الفرصة للتعرف إلى هويات المرسل إليهم، لكنه ومع ذلك، تمتع بجرأة كاملة، فهو يعرض خدمة غير قانونية بشكل واضح وعلني، ومع ذلك، فلقد وضع من دون تردد أرقام هواتفه، وهو يردّ باستمرار على جميع المكالمات التي ترده للاستفسار عن كيفية شراء إقامة سارية المفعول في الدولة، ولمدة ثلاث سنوات بهذا المبلغ!
شخصياً أعتقد أن المشكلة ليست في هذا الأجنبي، فهو وغيره كثيرون، وهناك شركات ومكاتب على شكل أوسع وأكبر، يقومون بالعمل ذاته، وهو باختصار استغلال واضح لثغرات واضحة في المناطق الحرة المنتشرة في كل بقعة من بقاع مدن الدولة، وبشكل عشوائي غير منظم في كثير من الأحيان.
فالمعلومات المتوافرة تشير إلى أن هؤلاء يعرضون على الزبائن إصدار تأشيرات لمدة ثلاث سنوات على كفالة منشآت «وهمية» أو «افتراضية» في مناطق حرة منتشرة في العديد من إمارات الدولة، وهؤلاء المحتالون على القانون يستقدمون العمال على أنهم شركاء في هذه الشركة، فلكل خمسة زبائن يمكن تأسيس شركة، دون أن تمارس أي نوع من النشاط، وكل من هؤلاء يمكنه الانتقال إلى منشأة أخرى في حال حصوله على عمل مناسب في الدولة!
القضية هي بالضبط استغلال ثغرات قانونية موجودة في المناطق الحرة، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن الفائدة الحقيقية التي تجنيها الدولة الاتحادية جرّاء انتشار هذه المناطق بهذه الصورة وهذه الكثرة، ويجعلنا نتساءل أيضاً عن مدى إحكام السيطرة عليها، وهل هي بالفعل حرة من كل قيد أو شرط أو قانون عمل اتحادي؟! هل هذه المناطق هي بالفعل تحت السيطرة، أم أن قضية هذا المقيم الأجنبي وغيره، تثير التساؤلات القديمة المتجددة حول عشوائية وفوضى العمل في هذه المناطق، التي أصبحت ملاذاً سهلاً للمخالفين والمتحايلين والراغبين في الدخول إلى الدولة بأسهل وأقرب الوسائل؟
لا ننكر أن هناك فوائد مالية تعود إلى خزائن السلطات المحلية في الإمارات المختلفة، فهناك مبالغ تدخل هذه الخزائن جرّاء استصدار التراخيص، وتجديدها، وربما إيجار بعض المكاتب، ولكن السؤال الأهم: هل هذه المبالغ تساوي الضرر الذي تجنيه الدولة الاتحادية جرّاء انتشار الفوضى ودخول المخالفين والبضائع المقلدة، وانتشار الخروقات والتجاوزات المعروفة لكل قوانين البلد؟!
بالتأكيد هناك أرباح أخرى تجنيها الإمارات المختلفة، وإلا لما رأينا هذا الانتشار الكبير للمناطق الحرة، لكن هل يعي هؤلاء جميعاً أن الوطن هو الخاسر الوحيد من هذه العملية برمتها؟
المسألة تحتاج إلى مراجعة جادة لتوحيد الإجراءات والسياسات الخاصة بالتأشيرات، والوضع الحالي الذي يسمح بتعدد بوابات إصدار تأشيرات دخول الدولة، خطر جداً، فهو يعني إغراق السوق المحلية، وإغراق الدولة بالعمالة، ولا أعتقد أننا في وضع يسمح بمزيد من الإغراق.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .