5دقائق

متلوّنون

حمدان الشاعر

يبدو أن ألوان الطيف لها أيضاً انعكاساتها على البشر وسلوكياتهم، فكما الحرباء هناك من يتشكل وفق الظروف ويساير السائد بلا قيمة أو مبدأ، فبعد أن انتصرت الثورة في مصر بدأ التراجع في لغة أولئك الذين تعهدوا بسحق المتظاهرين أو بحرقهم، وانسحب أولئك المنادون ببقاء النظام ليعودوا بلغة أخرى ونهج جديد يتماهى مع مصالحهم القادمة، فالمتتبع لحال الخطاب الإعلامي اليوم يرى تحولاً في لهجة الخطاب ومحتواه، فالثورة اليوم لها أنصار كانوا أعداءً بالأمس، الكل يدافع عنها بعد عهد من التضليل الإعلامي في صورة سافرة التناقض إزاء حالها قبل أسابيع عدة. وكل من كان يعارض الثورة ويسخر من شبابها المطالب بالحرية والعدالة والمساواة، أو يصفهم بأقذع الأوصاف، أصبح اليوم مدافعاً عنهم يمجد مبتغاهم، ويسير في ركبهم بنشوة الانتصار، متبختراً في زفة الفرح الكبير.

على بعض القنوات الفضائية نشاهد الصورة ذاتها، ولكن بخطاب معاكس لما كان، والصحف كذلك أبدلت توجهاتها وباتت تركع تحت أقدام الثورة، وتحرق البخور وتهلل لانتصار الشعب وتلعن السلطة وحاشيتها. وينسحب التلون ذاته على الفنانين والرياضيين، فقد كان ديدن الطغاة صناعة شخصيات فنية وإعلامية ورياضية لضمان الولاء، ويتعهدهم بالرعاية والترويج المخادع لقدرتهم على التأثير في جموع الناس، خصوصاً الشباب، فيعمدون إلى موالاة السلطة بالذود عنها والتمويه عن مساوئها دون كبح جماح التسلط والاستبداد الممارس ضد بقية فئات الشعب، يدفعهم في ذلك المنافع والامتيازات التي تغدق عليهم بلا ذمة أو رقيب.

هذه التبعية المفرطة للسائد والانقياد للإعلام المسيّس المحكوم بمشيئة صاحب السلطة موجودة لدى شريحة كبيرة من المؤسسات والأفراد، خصوصاً أنه سلوك نفعي انتهازي تحكمه مصالح الواقع ومقتضياته، وليس ما ينبغي إدراكه من قيم ومبادئ تفرق بين الحق والباطل، والصواب والخطأ. فالتلون القائم وفق تغير الأحوال دليل اضطراب قيمي وتشوش منهجي في تقدير الأمور والحكم عليها، وأمثال هؤلاء لا يمكن الوثوق بهم، لأن اللون اليوم قد يختلف في الغد، وقد ينحو مناحي مريبة أخرى، فعلى مر التاريخ كان هؤلاء موجودين على الدوام في زمرة المنافقين الذين توعدهم الله بالدرك الأسفل من النار، كنتيجة طبيعية لسلوك مريب مثير للاشمئزاز بعيد عن الاحترام، ورغم هذا فعمر هؤلاء قصير ونهجهم سريع العطب، فها هم يتساقطون سريعاً ودون كثير مقاومة.

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر