5 دقائق

ثوراتنا وازدواجية الغرب

حمدان الشاعر

التسارع في التحولات السياسية التي تشهدها المجتمعات العربية اليوم، وما أفرزته من انعتاق تاريخي غير مشهود نحو آفاق أرحب من الحرية والعدالة كان صادماً للجميع، فعلى الصعيد الوقتي والظرفي لا شيء ينبئ بما يحدث، فلا إرهاصات يُستشف منها أنّنا مقبلون على فجر جديد، ولا مقدمات توحي بأن الشعوب العربية قادرة على التعبير والتأثير، واللافت في خضم هذه الأحداث المتلاحقة الموقف الرسمي للغرب إزاء ما يحدث، ففي البدء كان معارضاً ثم محايداً مترقباً ثم مسايراً للوضع الجديد، فساركوزي كان معارضاً لثورة الشعب التونسي وحريصاً على إجهاضها، كأنه يرى أن هذا الشعب العربي لا يستحق حياة أفضل، وأنّ الديمقراطية حكر على بلاده فقط، وبالدرجة ذاتها كان موقف الدول الأوروبية وأميركا إزاء الثورة المصرية حذراً مهادناً ثم متحولاً تبعاً للتطورات الميدانية على أرض الواقع.

فالشاهد أن موقف الغرب وتحولاته تتحكم فيه ثلاثة عوامل: أولها الضغط الداخلي الذي تقوم به الجمعيات الحقوقية والإنسانية التي تنادي بقيم الحرية والعدالة وتأثير ذلك في صانع القرار السياسي والنخب الحاكمة في سبيل اتخاذ موقف أكثر عدالة إزاء ما يجري، وثانيها: مصالحها السياسية والاقتصادية التي يُخشى أن تقوّض جراء أي نظام جديد قد يخلط الأوراق، ويهدد سنين متراكمة من الاستغلال والاستنزاف، وثالثها: مراعاة مصالح الحليف الأبرز وهو إسرائيل، والتخوف من تداعيات أي تحولات في المنطقة على تفوق إسرائيل العسكري والاقتصادي والتقني، إذ تبدو إسرائيل حاضرة في كل الخطب التي ما انفك يخاطبنا فيها سياسيو الغرب بالدعوة إلى احترام معاهدة السلام، والاتفاقات الموقعة معها كافة.

ليست ثمة قيم أو مبادئ تدفع الغرب نحو احترام إرادة الشعب العربي، فهذه الانتهازية السياسية تبدو منتقصة للعربي كإنسان له حقوق كغيره من شعوب الأرض، فقيم الحرية والعدالة والمساواة هي حقوق بسيطة، لكن لهم فقط! ومتى ما كانت لسواهم بصورة قد تضر مصالحهم أصبحت ترفاً لا نستحقه ونظاماً غير مستعدين له، فحتى لو كانت لعبة السياسة تفرض شروطها القذرة، فهذا لا يعني بتاتاً أن يتم التعامل معنا بفوقية واستخفاف، وكأن الديمقراطية هبة هم واهبوها، وصنعة لا يتقنها غيرهم. تستمر المؤامرة حين تحسب الأنظمة القمعية أن الغرب سيظل نصيرها، وغاب عنها أن المصالح هي لغة السياسة الوحيدة، وأن فزاعة الإرهاب أصبحت شيئاً من الماضي لن يقوى أمام إرادة الشعوب في التحرر من الخوف والاستعباد. لغة مزدوجة كان يصعب تفسيرها، لكن اليوم بعد انتصارات الشعوب المتوالية صار التفسير أكثر وضوحاً والأسئلة أقل إلحاحاً، فساسة الغرب كاذبون لا يملكون شجاعة الاعتراف بأنهم كذلك، وهم منافقون لا مبادئ تردعهم أو قيماً تحركهم. الحرية والعدالة والمساواة.. قيم كونية ليست حكراً على أحد، وليست منة من أحد، وها نحن اليوم نعيشها من دون أن نلجأ إلى الحصول عليها من أحد.. عاش الشعب.. وسقط المراوغون والمنافقون، وكل من نظر لنا ذات يومٍ بأننا لا نستحق كرامة الحياة.

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر