5 دقائق

صناديق وقفية

حمدان الشاعر

مبادرة جامعة زايد بإنشاء صندوق وقفي، لها أكثر من دلالة وأكثر من رسالة، فتوجيه قطاعات المجتمع نحو الاضطلاع بدورها المسؤول في خدمة قضية مفصلية هي التعليم أمر محمود ونبيل، لأنه يعني مستقبلنا ومستقبل أجيال مقبلة، ولأن التعليم يحتاج إلى إنفاق متواصل ودعم مستمر من أجل توفير بنية تحتية سليمة، تتمثل في مختبرات ومبانٍ وتجهيزات، علاوةً على نظم وتقنيات ترتقي بالتعليم لدينا إلى أعلى المراتب، فإننا نحتاج إلى استدامة الدعم المالي، لترسيخ البرامج، وديمومة المخرجات، فهذا الصندوق سيسهم بلا شك في حل جزء لا بأس به من أزمة الموازنة التي تشكو منها مؤسساتنا التعليمية، والتي تبحث دوماً عن تعليم نوعي متميز، لا يمكن تحقيقه في غياب التمويل المطلوب وتعطل برامج البحث والتطوير، وعدم وجود التقنيات والأجهزة المطلوبة.

ورغم أن الدولة تخصص موازنات ضخمة لجامعاتنا الحكومية، فإن هذا يظل لا يلبي احتياجاتها كافة، كما أنه يجب في الوقت ذاته عدم الاعتماد المطلق على موازنات الدولة لمؤسسات التعليم، فهناك دور مجتمعي أساسي لتطوير ودعم الموارد المالية، التي من شأنها تحقيق غايات بعيدة لمؤسسات التعليم، خصوصاً أن «الوقف» كمفهوم وممارسة إسلامية رائدة كان حجر الأساس في إبراز وتطوير العديد من القضايا النهضوية التي نشأت منذ فجر الإسلام، فكان رافداً أساسياً لطلبة العلم ومراكز التعليم التي أسهمت في الارتقاء بالعلوم والآداب، وجميع مناشط الحضارة التي سجلها التاريخ في أزهى أيامها.

ليس التعليم فقط هو ما يحتاج إلى صندوق وقفي، فهناك الصحة التي تحتاج كذلك إلى صندوق وقفي يسهم في تطوير مستشفيات الدولة، وتوفير العلاج المجاني والأدوية، وإنشاء مراكز للأمراض المستعصية، وتسهيل علاج الحالات الصعبة داخل الدولة وخارجها، علاوةً على تشجيع الأبحاث والدراسات المتعلقة بأمراضنا المستوطنة، ووضع العلاجات اللازمة لكل ما يؤثر في صحة الناس وحياتهم.

هناك أمور كثيرة بالإمكان تسخير الجهود والموارد الوقفية لتطويرها وتعزيزها في مجتمع ينشد الريادة بين الأمم، فالثقافة والعلوم والبنية التحتية والمرافق المجتمعية كلها تنتظر برنامجاً وقفياً يضمن ديمومتها، خصوصاً أن الشراكة المجتمعية هي قضية وطنية بالأساس، لا تنبع إلا من قلب يعشق وطنه، ليتحول إلى سلوك يعبر فيه عن هذا الولاء والإخلاص. هناك أمثلة حاضرة لكثير من أثرياء العالم ممن يسهمون في إنشاء المستشفيات ومراكز التأهيل وبناء المدارس وكفالة طلاب العلم وبناء المكتبات وتمويل البحوث والدراسات.

إن الاختبار الحقيقي لحب الوطن والإحساس بحاجات مجتمعه هو محك فاصل في الولاء، والتعبير عنه يتم عبر «صدقة جارية»، سيتذكرها أفراد الوطن على الدوام، وتظل إرثاً خالداً في الدنيا ويوم الخلود.

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر