من المجالس

«الإنترنت» بالمرصاد

عادل محمد الراشد

هل تشكل الوثائق السرية التي تذيعها قناة «الجزيرة»، بالتزامن مع صحيفة «الغارديان» البريطانية أي مفاجأة لما يدور في المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية؟ مراحل هذه المفاوضات منذ أن ظهرت اتفاقات «أوسلو» بين «منظمة التحرير» وحكومة رابين الإسرائيلية على حين غفلة من فريق حيدر عبدالشافي التفاوضي ونتائجها، تؤكد أن لا شيء في الموضوع يبعث على المفاجأة، إلا تلك التفاصيل المباشرة التي ربما تثير الفضول للاطلاع من خلالها على حقيقة الخطاب داخل قاعات التفاوض، عما هي عليه أمام الفضائيات.

أهمية نشر مثل هذه الوثائق ربما لا تكون في جديد جوهري تحمله، ولكن في قدرتها على اختراق الجدران العازلة التي تعمل على عزل أصحاب العلاقة والمتأثرين بنتائجها، عما يدور حولهم ويحاك بشأنهم. وربما لا يكون هذا السلوك اختراعاً عربياً صرفاً، ولكن لواقعنا العربي إبداعات إضافية في فن دفن الحقائق والاستئثار بالقدرة على التفكير، والتصرف نيابة عن الآخرين، وإن كان هؤلاء الآخرون هم الذين فقدوا بيوتهم وأراضيهم وذكريات طفولتهم وتفاصيل صباهم، التي وضعت جميعها تحت طاولة المفاوضات لا فوقها.

تبدو ثورة «الإنترنت» في اندفاعها كأنها تسابق مذنب «هالي» وتسبقه، وإذ لم تعرف بعد نتائج اصطدامات «هالي» إن حدثت على الأرض، فإن نتائج صدمات الشبكة العنكبوتية واختراقاتها العاصفة صارت تحدث هزات مرشحة لأن تجلب معها أعاصير ربما تتجاوز قوتها إعصار «ويكيليكس» و «الجزيرة ليكس»، وربما تتسلل عيون نيرانها إلى ما هو أبعد بكثير من مراسلات البعثات الدبلوماسية السرية، ومداولات المفاوضات السرية، إلى تفاصيل الممارسات اليومية. وربما يكون سلاح التسريبات اليوم حكراً على يد صنّاعه، ولكنه بالتأكيد لن يكون كذلك إلى الأبد، الأمر الذي يجعل الخوف بعد الحذر هو شعار كل من يحاول الاستئثار بعملية صناعة الحدث ورسم المستقبل.

adel.m.alrashed@gmail.com

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر