5 دقائق

إعلام رخيص

حمدان الشاعر

سخّرت محطاتنا التلفزيونية أخيراً الكثير من مواردها المالية والفنية لنقل الأحداث الرياضية، والكروية منها تحديداً، في سباق محموم مع شبيهاتها من قنوات الرياضة في الدول الشقيقة، وعلى الرغم من المستوى التقني العالي في مواكبة الأحداث وإبرازها، فإنها - أي محطاتنا - لم تكن بالرقي ذاته في التعامل المهني النزيه مع تلك الأحداث. وإذا كنا نُقر بأن اقتناص كعكة للإعلان هدف رئيس لوسيلة الإعلام، إلا أنه لا يأتي عبر إثارة رخيصة تسيء إلى المشاهد وتنفره، فلقد أصبحت محطاتنا الرياضية اليوم محل استنكار واستغراب كثيرين، فالعديد من البرامج يخرج دوماً عن النص، بشكل يكاد يكون مزعجاً ومقززاً، كما أفرزت برامج التحليل الكروي (سمها ما شئت) إشكاليات عديدة لا ينبغي السكوت إزاءها، أو حتى الرضوخ لها تحت حجج التسويق وجذب المشاهد.

إشكالية رئيسة تتمثل في خداع المشاهد، وتتم عبر استضافة أناس يتعمد المذيع معهم إثارة زوابع كلامية موجهة، لتحقيق إثارة رخيصة تُستحضر فيها مشكلات الآخرين، الأمر الذي ينسحب على علاقاتنا مع الدول الشقيقة وجماهيرها، فهؤلاء «الضيوف» ينفثون نيران غضبهم لأهواء شخصية في اتهام الآخرين، وفي إثارة أزمات ليست من الرياضة في شيء، حتى أضحت هذه البرامج منبراً متخصصاً في زرع الفتنة والتحريض، في قضايا ليس لنا فيها ناقة ولا جمل، وهذا بالتأكيد ليس في مصلحة الدولة ولا في علاقاتها الخارجية مع الدول الأخرى، في صورة مناقضة لموقف دولة الإمارات وسياستها المتوازنة وإرثها التاريخي القائم على احترام الأشقاء وتقديرهم.

إشكالية أخرى تتمثل في أننا لا نقدم إعلاماً رياضياً حقيقياً، بل جملة من المسرحيات الهزلية التي تقدم نوعاً من العبث والتهريج، لا محتوى من الرصانة والتحليل الفني المفيد والممتع، فكل ما نشاهده خلافات مفتعلة لاستجداء انتباه المشاهد، ناهيك عن تدني اللغة المتداولة في هذه البرامج، فالحوار يعكس نوعية الضيوف وثقافاتهم، أما ما يقدم فهو فاصل من المهاترات العبثية وكأنها تدور بين مشجعين متعصبين في الدرجة الثالثة.

هذا التعامل غير الواعي أفرز العديد من السلبيات، وعزز من لغة رياضية فارغة، بعيدة آلاف الأميال الضوئية عن معنى الرياضة وروحها، فأي رسالة يريد هؤلاء أن يقدموها للمشاهد ولكثير من الشباب الذين يتابعونهم إذا كان الحوار بلا أدب، والكلام مملوءاً بالكذب؟

للإعلام الحقيقي، أياً كانت وسيلته، مسؤولية أخلاقية تجاه الوطن والأفراد والمجتمع، مسؤولية تبنى على احترام حقوق جميع الأطراف، واحترام حق النقد والكرامة الإنسانية، علاوةً على العرض المتوازن واحترام الدستور ومؤسسات الدولة وعلاقاتها مع الآخرين، أما إذا كان هناك من يريد إعلاماً شاذاً، يحيد عن النهج الصحيح، ويروج دعاية كاذبة فلن يجني منه سوى مزيد من الكراهية والبغض، ومزيد من الفشل والإخفاق.

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر