كل يوم

نموذج للمساهمة المجتمعية..

سامي الريامي

المساهمة المجتمعية للشركات الضخمة، سواء كانت تلك الشركات وطنية أو أجنبية، مازالت ضعيفة للغاية، لا ننكر وجود أسماء أسهمت بشكل متميز في تقديم خدمات جليلة إلى المجتمع في مجالات عدة كالإسكان والصحة، لكن معظم الشركات الكبرى مازالت غير معنية بقضايا المجتمع.

ومن الواضح جداً أن لدى تلك الشركات خلطاً واضحاً بين مفهوم المساهمة المجتمعية، ومفهوم رعاية الأنشطة بغرض التسويق والترويج الدعائي لاسم الشركة ونشاطها، فمعظم تلك الشركات لا تسهم أبداً إلا في مجالات الرعاية التي تعود عليها بالمنفعة الترويجية والدعائية، كما أن معظمها لا يخصص ميزانية لخدمة المجتمع، بل يقتطع جزءاً من المبالغ المخصصة للترويج والتسويق ليسهم به في رعاية بعض الأنشطة عديمة الفائدة الحقيقية للمجتمع في أحيان كثيرة.

ربما يكون لعقلية كبار التنفيذيين في الشركة وثقافتهم، دور كبير في توجه الشركة تجاه العمل المجتمعي، لكن من المؤسف حقاً أن تجد الشركة ذاتها نشيطة جداً في بلدان أخرى، ومقلة للحد الأدنى عندما يتعلق الأمر بالمساهمة المجتمعية داخل الدولة، ولا يوجد أبداً سبب منطقي مقنع لهذه الازدواجية، بعضهم يعزو ذلك إلى وضع الإمارات الاقتصادي وقوة الحكومة في توفير الدعم المالي اللازم لكثير من القطاعات، لكن الإمارات ليست أفضل وضعاً من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، حيث ينشط كثير من الشركات الكبرى هناك للمساهمة في مشروعات اجتماعية وصحية وبحثية، بينما لا تلتفت الشركات العاملة في الدولة إلى أي مساهمة اجتماعية محلية مهما كان حجمها!

أعود وأكرر أن هناك مجموعة من شركاتنا الوطنية على وجه الخصوص، أدركت معنى العمل الاجتماعي، وبدأت أخيراً بالمساهمة في مشروعات خدمية اجتماعية تعود بالنفع على المواطنين والمقيمين، ومن دون أن تعلن عنها أحياناً، كما أنها لا تهدف إلى وضع اسمها على مدخل المشروع، ولا تطلب ترويجاً ولا تسويقاً، وهذا هو الفرق الحقيقي بين المساهمة المجتمعية الحقيقية، وبين استغلال الرعاية بهدف التسويق.

هذا الفرق لمسته واقعاً عند مسؤولَيْن مواطنَيْن في شركة وطنية كبرى، يعملان حالياً، بشيء من الصمت، لإنشاء صندوق متخصص في المساهمات المجتمعية، صندوق منفصل عن الشركة لكنها تدعمه مالياً وبمبالغ كبيرة، يهدف إلى البحث عن المشروعات المجتمعية المفيدة لدعمها بمبالغ مباشرة، يجمعان المعلومات عن أهم القضايا التي يعانيها المجتمع فيضخان فيها المبالغ بالتنسيق مع الجهات المختصة.

خدمة اجتماعية خالصة، لا تريد هذه الشركة من ورائها أي مصلحة ترويجية أو دعائية، لا اسماً يُرفع على مبنى، ولا شعاراً يوضع على المداخل والمخارج، ولا كلمات من نوع «برعاية» أو «بدعم من»، بل إن الصندوق الذي تعمل هذه الشركة على إنشائه سيدار من قبل مجلس أمناء لا علاقة له بالشركة إطلاقاً، فهم ليسوا من داخلها ولا يمتون إليها بصلة، كل ذلك لضمان المساهمة المجتمعية بشكل حقيقي بعيداً عن كل الأمور الدعائية أو الترويجية.

نموذج رائع، نتمنى أن تقتدي به بقية الشركات الوطنية وغير الوطنية، فالمجتمع يستحق من هؤلاء أن يدعموه، ليس لأنه بحاجة إلى دعمهم، بل لأن الواجب والمسؤولية ومبدأ رد الجميل، تقتضي منهم التفكير في خدمة المجتمع بشكل موازٍ للتفكير في جمع الأرباح.

reyami@emaratalyoum.com

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر