5دقائق

غلاء

حمدان الشاعر

يشهد العالم اليوم ارتفاعاً مطرداً في أسعار الغذاء موازياً لارتفاعات أسعار النفط، وذلك جراء الظروف المناخية وزيادة الطلب على الطاقة، الأمر الذي أفرز تظاهرات انتشرت كالنار في الهشيم، في أقطار عدة من تونس والجزائر، وصولاً إلى باكستان وبوليفيا. كلها علامات تشي بأننا مقبلون على عام غير مستقر، ولئن كانت حكومات كثيرة تعمل جاهدة في سبيل كبح ارتفاع الأسعار، والحيلولة دون حدوث تداعيات اجتماعية واقتصادية سلبية للاقتصاد، فإن المشكلة تبدو أنها ستكون أكبر من طاقة هذه الحكومات، وبالتالي فليس من السهل إيجاد حلول سريعة لوقف كرة الثلج المقبلة بكل شراسة من أعلى، لتأخذ في طريقها أحلام الفقراء في الحياة بكرامة، ولو بحدها الأدنى.

الغلاء المقبل لن يكون سببه جشع التجار والتلاعب بالأسعار، خصوصاً أننا نشهد اليوم يقظة مجتمعية، وحراكاً مؤسسياً تلعب فيه الجهات المختصة، مثل لجنة حماية المستهلك والدوائر المعنية دوراً حقيقياً في مراقبة الأسعار والحد من ارتفاعها، إلا أن الأمر لا يتعلق بقيمة السلعة وحق المستهلك في ثبات سعرها، بل مراعاة توازن حقوق الأطراف كافة، وفهم الأسباب المؤدية إلى ارتفاع السلع، فليس دائماً المستهلك هو الضحية، فهناك المورد والمصنّع والبائع، كلهم أقطاب تتكامل أدوارهم في سبيل ديمومة عجلة الاقتصاد واستدامة تدفق السلع، لذلك كان من المهم أن تكون عملية رفع سعر بعض السلع مدروسة، ونابعة من دراسة حقيقية حول مبررات الارتفاع ومقداره، وارتباط ذلك بالبورصات العالمية للمواد الأولية كالحبوب والمعادن، بخلاف السلع التي ترتفع دوماً تبعاً لأهواء التاجر، وبعيداً عن أي هامش منطقي للربح.

ولكننا في الحقيقة لا نستطيع الجزم بمدى قدرة الجهات المختصة على محاصرة الأسعار، في ظل ارتفاع أسعار النفط، التي قد تجعل من ملاحقة أسعار السلع حالة جنونية تصعب السيطرة عليها، لذلك فإن الأجدى اليوم هو تغيير السلوك الفردي للمستهلك، والتحوّل إلى الشراء الذكي الذي يعتمد على الشراء المتوازن، خصوصاً أننا مجتمع قد أفرط في الاستهلاك إلى حد بعيد لاعتبارات اجتماعية ومظهرية، علماً بأن دولاً عدة قد استفادت من الأزمة المالية، حين استطاع المجتمع أن يعدل من سلوكه، ويصير الفرد لا يشتري إلا ما يحتاج إليه، فقد تحولنا اليوم إلى مستهلكين لبضائع غالية لا تعكس حقيقة احتياجاتنا، ونعيش مع منتجات نظن أنه لا يمكننا العيش من دونها، فإيقاف عملية ارتفاع الأسعار ليست مؤكدة اليوم، والحل الأمثل هو الوصول إلى ثقافة مجتمعية ترشّد من الاستهلاك، وتحولنا جميعاً إلى أصحاب سلوك مستقل غير أسير لسطوة الإعلان، أو شهوة الاقتناء.

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر