التبرع بالأعضاء الجسدية في الإمارات
لا يعرف حتى أقرب أصدقائي أنهأ إذا جاء أجلي وأنا في بريطانيا، فإنه سيتم أخذ أعضائي الجسدية الداخلية لمساعدة الغير، إذ أعطيت السلطات هذا الحق بمجرد إشارة بسيطة على مربع في رخصة القيادة التي حصلت عليها من هناك حين كان عمري 17 عاماً، وفيما أيسمى «الدائرة أالحميدة».
لي أخ يكبرني في السن، يذهب بين وهلة وأخرى إلى مراكز التبرع بالدم في الدولة، ليسهم بشكل بسيط في إنقاذ حياة آخرين لا يعرفهم، ولي أفراد من عائلتي استفادوا من زرع القرنية من أشخاص لم يعرفوهم إطلاقاً.
في شهر مايو من العام الماضي، أصدرت الإمارات، الدولة أالمتقدمة والسبّاقة، قانوناً يسمح بالتبرع بالأعضاء عند الوفاة، بعد انتظار دام 16 سنة، على أول لائحة تبرع، أصبح لدينا قانون واضح للتبرع بالأعضاء الجسدية الداخلي، بعد أن لاحظ المسؤولون تدفق الإماراتيين إلى بلدان أجنبية مثل الفلبين والهند وتايلاند، أو عربية كمصر الشقيقة، للحصول على أعضاء جسدية داخلية مثل الكلية أو الكبد أو القلب أو الرئة.
في الحقيقة، يمارس علماء الدين دوراً رئيساً في هذاأ الأمر، فمنهم من يؤيده، ومنهم من يرى أنه يخالف الشريعة، مع أن ديننا الحنيف يحثنا على مساعدة الآخرين. قال أحد العلماء من دولة خليجية مجاورة، إن جسم الإنسان مقدس، وجثة المسلم لها احترامها، ولا داعي لاستخراج أعضاء جسدية داخلية منها. في الواقع تختلف الأرقام مع سماحة الشيخ، حيث ينتقل عدد كبير من المواطنين إلى دول تعتبر من العالم الثالث، في مخاطرة كبيرة على حياتهم، وهم في حالة صحية سيئة، لزرع عضو جسدي، وبحسب التقديرات الأولية، فإن هناك أكثر من 1100 حالة مرضية تعاني الفشل العضوي بحاجة إلى عمليات زراعة في الإمارات، فالأجدر أن نوفر لها بيئة داخلية تمكنها من البقاء في الدولة، وهو أمر يوفر على الحكومة مبالغ كبيرة أيضاً، ولكن بعد مرور شهور على تطبيق هذا القانون الممتاز، لا نسمع بأن أعداداً كبيرة من المواطنين قد قاموا بالتسجيل فيه، فما الأسباب وراء ذلك يا ترى؟
في رأيي هناك سببان رئيسان لعدم إقبال أعداد كبيرة من الإماراتيين على التسجيل، الأول هو عدم وضوح الأمر من الناحية الشرعية 100٪، والآخر هو طريقة التسجيل التيأ تتطلب أإجراءات إضافية لا يتفرغ لها أكثرنا في هذه الأيام.
أولاً أتمنى على شيوخنا الكرام توضيح هذا الأمر أثناء خطبهم أو برامجهم التلفزيونية والإذاعية، وحثّ الناس على التسجيل لمساعدة غيرهم، في حال انتقالهم إلى رحمة الله، ومن الناحية الأخرى، قد نختصر على المواطنين والمقيمين الإجراءات الإضافية التي تتطلب الآن من المتبرع أن يوصي بأحد أعضاء جسمه،أ بموجب إقرار كتابي موقّع عليه، ويشهد عليه شاهدان كاملا الأهلية، أضمن شروط أخرى، أو أن يوافق قريب إلى حدّ الدرجة الثانية، على ذلك، بعد وفاة الشخص، شرط ألا يكون قد وصّى المتوفى بعدم التبرع بأعضائه.
كل ما كان علي فعله في بريطانيا قبل 17 سنة، أن أضع علامة بسيطة فيأمربع يظهر في خلف رخصة قيادة السيارة، أما هنا فالأمر بحاجة إلى شهود وإجراءات أورسائل رسمية، ولن نصل إلى مرادنا من دون إحداث تغييرات بسيطة على هذا الإجراء، فلمَ لا ندمج إجراءات استخراج بطاقات الهوية الجديدة أوأ تجديدهاأ مع موافقات التبرع بالأعضاءأ بالطريقة المعمول بها في بريطانيا نفسها؟ فإن أراد الشخص التبرع، يكون الأمر واضحاً عليه، ولا يتطلب إجراءات متعددة أخرى، وله الحق في أن يرفض ذلك طبعاً.
فمن الصعب على المرء أن يكون قد خسر أحد أقاربه، ويتقبل أن يسأله دكتور ما إذا كان يوافق على التبرع بكبده أو قلبه، لكن إن كان المتوفى قد أوصى فلا حق لأحد في أن يمنع ذلك الشيء.
في الحقيقة هذا موضوع شائك وحساس، ولكن من الضروري أن يطرح لمصلحة المجتمع، وفي النهاية من المهم أن نحب لغيرنا ما نحبه لأنفسنا، هذا ما تعلمناه من ديننا وتقاليدنا وعاداتنا، فضع نفسك مكان الغير، إن كنت ترضى أن تستقبل عضو شخص آخر، فلابد أن ترضى بالتبرع بأعضائك، تلك هي الدائرة الحميدة.
زميل غير مقيم في كلية دبي للإدارة الحكومية
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .