أبواب

كل عام وأنتم على قيد الحياة

تقول الإحصاءات إنّ عدد الناس الذين يموتون ليلة رأس السنة أكبر من عددهم في أيّة ليلة أخرى، وإنّه في «الويلات» المتّحدة الأميركيّة وحدها يموت في تلك الليلة بحوادث السّير وغيرها ما يوازي عدد القتلى بالحوادث طيلة العام.

رأس السنة إذن قنبلة موقوتة، متى حان أوانها انفجرت، وفجّرت معها ما تيسّر لها من البشر، لذلك نحتفل بالنّجاة منها من دون أن ندرك السّبب الحقيقي لاحتفالنا!

وعلى الرغم من اختلاف سكّان هذا الكوكب في أعراقهم، ألوانهم، هيئاتهم، ولغاتهم. إلا أنّ هناك أمراً واحداً ووحيداً اتفقوا عليه، وهو اعتبار آخر ليلة من ديسمبر وأوّل فجرٍ من يناير، نهاية عامٍ مضى وبداية عام جديدٍ.

مع أنّ ذلك لا يحدث فقط يوم 31 ديسمبر، بل يحدث كلّ يوم؛ لأنّ كل يومٍ يمرّ يختم عامًا كاملاً بكل أيّامه وساعاته ودقائقه وثوانيه كما يقول السّير والتر سكوت.

عام 2010 مضى، لوّح بيديه ورحل! لم أكن متهيئاً لاستقباله، لأتهيأ الآن لتوديعه. لم يمنحني الفرصة لأقبله أو أتمنى له السلامة أو حتى أوصله إلى محطة القطار! وها هو عام جديد بـ«قراطيسه» يدخل من دون استئذان ومن دون موعد مسبق. كزائرٍ ثقيل الظلّ يحاول العالم بأجمعه أن يجد أفكاراً مبتكرة للاحتفال بقدومه، ويرحب بمجيئه.. كل على طريقته الخاصة.

في ليلة رأس السنة، تصادف في وقتٍ واحد، أنْ كانَ هنالك نصف مليون يستمتعون بالألعاب النارية والمفرقعات في دبي، وخمسة ملايين يغنّون في سيدني، و10 ملايين يرقصون في بكين. ومجموعة من المجرمين ــ بقلوبٍ فارغة ــ يصنعون الموت في الإسكندريّة، والقلوب الفارغة تسهل إعادة تعبئتها بالحقد، بالشرّ، بالكراهية، وبأيّ شيء.

ليلة رأس السنة في الإسكندرية كانت حمراء فاقعاً لونها، كل الأشياء فيها تسربلت باللون الأحمر: دماء القتلى والمصابين، دموع المسيح، نيران السيارات المفخخة، لون الخبر العاجل على القنوات الفضائيّة، «روج» المذيعة وهي تتمنّى للأمة العربية عامًا سعيدًا!

 

درج العرب قديمًا وحديثًا على تسمية الأعوام بالمصائب التي تحلّ بهم أو قريباً من ديارهم ــ وما أكثرها ــ فهنالك عام الحزن، وعام الرّمادة، وعام النّكبة، وأعوام كثيرة بمسميات غريبة. أمّا عام ،2010 فهو عام الفَقدِ بامتياز. إذا سيبقى العرب يتذكرون العام الرّاحل بكثيرٍ من الحزن والألم، ففيه غيّب الموت ــ بالجملة والمفرّق ــ مجموعة من الرموز العربية التي يصعب تعويضها، فقد ترجّل عنّا فيه: نصر حامد أبوزيد، محمد عابد الجابري، محمد أركون، فؤاد زكريا، الطاهر وطار، أحمد البغدادي، غازي القصيبي، الشيخ صقر القاسمي، أنور عكاشة، رباب، غانم الصالح وغيرهم كثير.

 

ممّا لا شكّ فيه إذن أنّ الاحتفالات التي ترافق دخول العام الجديد، هي مجرد تعبير عن فرح الإنسان لأنّه استطاع الصّمود في وجه الموت عاماً آخر. مع أنّ كل يومٍ ننجو فيه من الموت هو مناسبة سعيدة ورأس سنة جديدة تستحق أن نحتفل بها ، ونوزّع «الكيك»، ونشعل الشموع فيها. وإن كان لابدّ من اختيار يومٍ واحد للاحتفال برأس السنة، فأنا أقترح أن يكون الأول من أبريل عوضاً عن الأول من يناير، فالقدرة على البقاء في عالمٍ مجنونٍ كهذا.. ليست سوى كذبةً كبرى!

al-marzooqi@hotmail.com

تويتر