كل يوم

تراث مصنوع في الصين !

سامي الريامي

التقيته في مكان عام، لا أعرفه من قبل ولا يعرفني، لكنه مواطن يحب عمله ويحاول بشتى الطرق العمل على تطويره، هذا ما لمسته، وما كان واضحاً من أسلوب كلامه والقضايا التي طرحها، وعلى الرغم من أنها كانت متشعبة وعديدة، إلا أني فضلت طرح أهمها حسب ما فهمت.

يعمل هذا الرجل في موقع سياحي مهم، يستقطب مئات من الزوار والسياح بصورة يومية، وبالتأكيد الرقم يتصاعد بشكل كبير شهرياً، والأعداد تتزايد في هذا الموسم، وبالتأكيد فإن ذلك يعد مؤشراً إيجابياً إلى نشاط الحركة السياحية في دبي، والإمارات بشكل عام.

لكن في مقابل ذلك، ينحسر الاهتمام الميداني بهذا الموقع وغيره من المواقع السياحية والأثرية والتراثية في المدينة، وخلا هذا الموقع وغيره من أي عمل تطويري طوال السنوات الماضية، فلم تبتدع أية وسائل حديثة لتطوير العروض أو طريقة عرض المقتنيات، ولم يتم تحسين الموقع أو تهيئته بشكل أفضل لمواكبة حركة السياح المتزايدة، وتضطر أعداد من السياح إلى الرجوع إلى الحافلات السياحية بعد أن يلحظوا اكتظاظ المكان وصعوبة الحركة فيه.

ربما لا نشعر نحن المواطنين بأهمية هذه المواقع التراثية، والأسباب في ذلك كثيرة، فالأغلبية العظمى لا تهتم إلا بما هو حديث، إضافة إلى وجود هذا المَعْلَم في المدينة، والمرور بجانبه بشكل مستمر، ما أفقد المواطنين والمقيمين قيمته، لكن مثل هذا الموقع يعتبر غاية في الأهمية لدى السياح والزوار، خصوصاً الأجانب الذين تستهويهم المباني الأثرية أكثر من الأبراج، ويشدون الرحال من بلد إلى بلد آخر فقط من أجل مبنى قديم لالتقاط صور تذكارية له بعدساتهم الخاصة، هناك من يدمن التنقل في كل البلدان التي تحوي مباني مصنفة من «اليونسكو» على أنها مبانٍ أثرية، والدليل على ذلك وجود حركة متزايدة فعلياً على هذا الموقع التراثي المهم من قبل جنسيات مختلفة معظمها من أوروبا.

هذا يستدعي مزيداً من الاهتمام، لكن الواقع عكس ذلك، ولا داعي لذكر الأسباب فهي عديدة، لكن الأهم من تعديد الأسباب هو لفت انتباه المسؤولين للعمل فريقاً واحداً لانتشال هذه المواقع التراثية والمتاحف وإعادة تأهيلها بشكل يليق بالسمعة السياحية الكبيرة التي تحظى بها المدينة.

هناك نقطة أخرى في غاية الأهمية، بعد انتهاء جولات السياح يتدافع جميعهم لشراء الهدايا التذكارية الصغيرة الموجودة في المواقع التراثية، هل لكم أن تتخيلوا ملامح الاستغراب والدهشة التي تعلو وجوههم بعد أن يقرأوا تلك الجملة المطبوعة في أسفل الهدية التي غالباً ما تكون مجسماً للمَعْلم الأثري أو لرمز من رموز الدولة التراثي، أتعرفون ما الجملة؟ إنها «صنع في الصين»!

هل عجزنا إلى الحد الذي نصنع فيه هدايا صغيرة تعبر عن تراثنا وتاريخنا ودولتنا؟ نحن لا نتحدث عن صواريخ عابرة للقارات، أو شرائح تدخل في صناعات الحاسب الآلي، ولا نريد «توطين» صناعة السيارات ومحركات الطائرات، كل ما في الأمر هدية (سوفونير) صغيرة تعبّر عنا، وعن هويتـنا، لِمَ لا تعتمد الجهات المسؤولة مصنعاً محلياً، أو حتى تقيم هي بنفسها مصنعاً تابعاً لها لمثل هذه الأمور؟ أعتقد أن المسألة مجدية اقتصادياً، والأهم من ذلك مهمة لسمعتنا وسمعة تراثنا!

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

 

تويتر