من المجالس

لايزال الرصاص المصبوب ينهمر على رؤوس الفلسطينيين. أكثر من 60 سنة مرت بمحنة هذا الشعب الصابر لم يتوقف خلالها رصاص العدوان الصهيوني عن الانهمار على كل معاني الحياة في الأرض التي باركها الله تعالى. ليست سنتين، وإنما عقود من السنين تعقدت فيها حياة الفلسطيني حتى غدا الاختيار الوحيد الذي يطرحه عليه جميع اللاعبين على أرض مصرعه هو الموت، إما أن يكون انتحاراً أو قرباناً أو الانتقال من عالم البشر إلى عالم الدواب، يفترش الأرض ويلتحف دخان القذائف المصبوبة على رأسه في الليل كما في النهار، ويتقوت من رماد الأرض المحروقة، ويتنفس غبار ما بقي من أطلال، كان مكانها أبنية وبيوت وحوارٍ وأزقة وأطفال يلعبون ونسوة يتزاورن.

لم يكن ديسمبر 2009 بداية رحلة العذاب في فلسطين، ولم يكن يوم الـ27 منه يوم اكتشاف أداة القتل بالرصاص المصبوب، ولكنهما كانا تاريخ تدشين محطة جديدة في هذه الرحلة الطويلة. وعبر جميع المحطات فشل كل رفقاء المهمة القذرة في نزع الروح من جسد الفلسطيني، حتى غدت كل طعنة كأنها ترياق حياة جديدة يدب في ذلك الجسد، وكل رصاص ينهمر يزرع بذرة جديدة للمقاومة. هذه المقاومة التي كلما أرادوا أن يجففوا منابعها ازدادت تدفقاً وجرياناً، لتؤكد مرة أخرى أنها ثقافة ضاربة الجذور في طبقات الوجدان الفلسطيني والعربي يستعصي اجتثاثها من الجذور على أشد القتلة فتكاً، وأكثر اللاعبين خبثاً. واليوم تبدو العربة قريبة من محطة جديدة لكسر تلك الإرادة وإخراج قطار التسوية من جبل الجليد الذي جثم على قضبان سكته، وفتح جادة في طريق المفاوضات الذي سدته إملاءات المفاوض الصهيوني وتواطؤ الراعي الأميركي وعجز «الداعم» العربي. الرصاص يعاود الانهمار بزخات تنذر بهطول غزير، ربما يكون كفيلاً بإعادة تشكيل الأجواء، فهل تنجح الجولة الجديدة في ما فشلت فيه كل الجولات السابقة؟ ما دام في فلسطين طفل جديد يولد، فلن يفلح كل الرصاص المصبوب في كتابة نهاية للقصة، من دون توقيع فلسطيني يكون خطه هو الأعرض وحروفه هي الأكبر.

adel.m.alrashed@gmail.com

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة