سوق العمل بوّابة الحل
ضبط سوق العمل أولى الخطوات التنفيذية المهمة لتصحيح اختلال التركيبة السكانية، وبكل تأكيد لا يوجد علاج للتركيبة من دون ضبط سوق العمل، ولا يمكن ضبط هذه السوق، ما دام الباب لايزال مفتوحاً على مصراعيه أمام العمالة الوافدة من كل حدب وصوب بغض النظر عن مدى احتياجنا إليها.
نحن بكل تأكيد سنظل نحتاج إلى العمالة الماهرة، وسنظل بحاجة إلى توافد المهندسين والأطباء والمهنيين، وبكل تأكيد حاجتنا إلى هؤلاء المهرة ستظل لسنوات طويلة، فاقتصاد الدولة مربوط ومرهون بطريقة أو بأخرى بوجودهم في سوق العمل، لكن وجود هؤلاء المهرة بحاجة إلى تنظيم أيضاً، وبحاجة إلى جهة رسمية واحدة تدرس السوق وتحدد احتياجاتها، وتفتح باب الدخول لفئة معيّنة، وتغلقه أمام فئة أخرى، وفقاً للاحتياجات الفعلية، ووفقاً للأعداد الموجودة داخل الدولة، أما الوضع الحالي المعتمد فقط على استيراد العمالة بكل أشكالها وفئاتها من دون معرفة حجم استيعاب السوق المحلية، وحجم الحاجة الحقيقية لها، فإنه السبب الرئيس لمضاعفة أوجاع التركيبة، وهو السبب في وصولها إلى عنق زجاجة من الصعب على خبراء العالم أجمع فكّها إن اجتمعوا!
ما لا نفهمه هو ازدياد العمالة الماهرة وغير الماهرة بشكل غير منطقي، خلال السنوات الثلاث الماضية، والتي تعتبر في كل العالم سنوات أزمة وشح في الأعمال والمشروعات الجديدة، فهل هذا مؤشر إلى انتعاش سوق العمل في الدولة، أم أنه مؤشر إلى العشوائية ودخول أعداد من البشر لا نحتاج إليها أصلاً، في ظل وجود أعداد لا حصر لها أيضاً تعاني قلة الأعمال!
بصراحة لا أملك جواباً دقيقاً يؤكد أياً من الفرضيتين، وأعتقد أنه لا توجد أيضاً جهة رسمية تملك جواباً دقيقاً، والسبب في ذلك بسيط جداً، وهو وجود جهات محلية واتحادية عدة تملك حق إصدار التأشيرات وإعطاء الإقامات، هذه الجهات تعمل بشكل منفصل ومنفرد، ولا تدري نفس فيها، كم نفساً دخلت البلد، ولا تدري نفس أيضاً كم هم الذين يحتاجهم البلد فعلياً!
تعدد الجهات التي تملك حق إصدار التأشيرات، هو الباب المفتوح الذي يعمل ليل نهار على إغراق البلد بالعمالة، والإغراق هنا يعني خلق تشوّهات معقدة جداً في سوق العمل، وإغراق الاقتصاد بعمالة لا تحتاجها الدولة يعني تلقائياً مزيداً من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية، وحصاد هذه التشوهات يعمل بكل تأكيد على ضياع الأمل في إيجاد حل لعلاج أو تصحيح خلل التركيبة، وبالتالي فلا أمل أيضاً في المحافظة على الهوية والوجود.
وضعنا السكاني غريب جداً، ومع ذلك فهو قابل للمعالجة بحكمة، والحكمة هنا تجعلنا نختار الحلول المنطقية المعقولة، ونبعد عن الدعوات المبالغ فيها التي تعتبر بعيدة تماماً عن الواقع، الحل المنطقي يتمحور في العمل على الاستفادة القصوى من وضع سوق العمل الحالي، وضمان استغلاله بالطريقة المثلى التي تجعلنا نضع قيوداً على فتح مزيد من أبواب الهجرة إلى الدولة، إلا في حالات ضرورية ومحددة، وبكل تأكيد لن نصل إلى هذا الحل إلا بعد أن نجد جهة واحدة هي التي تملك الحق قانوناً في تحديد هذه الحالات الضرورية المحددة، عندها فقط نستطيع التحكّم في العمالة الموجودة، ونستطيع التحكم في الأعداد التي يمكن للسوق استيعابها دون عشوائية ودون تخبّط!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .