5 دقائق

مسجد السلام

حمدان الشاعر

بعد قرابة عقد من الزمن استغرقه بناء أكبر مسجد في أوروبا الغربية، تم الجمعة الماضي افتتاح مسجد السلام في روتردام بهولندا، الذي تم التخطيط له وتنفيذه وتمويله بمكرمة سخيّة من هيئة آل مكتوم الخيرية، ليشكّل صرحاً حضارياً وثقافياً، يعكس قيم الإسلام ومبادئه القائمة على المحبة والاعتدال.

لاشك في أن فكر ونهج الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم القائمين على إيصال رسالة الإسلام عبر مشروعات متعددة، وفي مناطق متفرقة، تقوم بتنفيذها هيئة آل مكتوم الخيرية، نابعان من رؤى أصيلة وقيم إنسانية ذات بُعد حضاري وثقافي، فهي تهدف إلى تحقيق متطلبات حياتية، وضرورة روحية لكثير من المغتربين في بلاد المهجر، عبر إنشاء المساجد ودور العلم، التي تقوم بدورها بأداء وظيفتها المأمولة كمراكز إشعاع حضاري لتلاقي الثقافات، والتواصل بين الأديان عبر نهج وسطي، لا إفراط فيه ولا تفريط، علاوةً على أنها تلعب دوراً جلياً كمراكز للأعمال الخيرية التي تعزز من لُحمة المجتمع وتواصله مع فئاته ومحيطه القريب، بغض النظر عن معتقداتهم وأعراقهم، وهذا ما يبدو واضحاً في مشروعات عديدة تبنتها هيئة آل مكتوم، كالمساجد والمستشفيات والمدارس والمراكز الصحية، وأعمال الإغاثة في دول كثيرة من العالم.

أزعم أننا بحاجة إلى تسخير إمكاناتنا الفكرية والمادية في سبيل فكّ الحصار الذي يمارس اليوم على كثير من المشروعات الخيرية والدينية في بلاد الغرب، فالكثير قد تقاعس عن أداء دوره، إما هرباً من ضغوط إعلامية محتملة تحت ذرائع مختلفة، أو وجدها فرصة لينأى بنفسه عما قد يعيق استثماراته وارتباط مصالحه بالمؤسسات الأجنبية، فعلى الرغم من وجود أحزاب فاشية وإعلام غوغائي في الغرب، يريد اختطاف حرية الآخرين في ممارسة معتقداتهم، فإن هناك الكثير من العقلاء والمتحضرين الذين لا يرون بأساً في وجود الإسلام معتقداً وسلوكاً بين طوائف المجتمع، لأن هذا من شأنه إعلاء قيمة الحرية التي يستميت في سبيلها الكثيرون، كما أنها فرصة لتعميق التواصل والتلاحم بين أفراد الشعب الواحد، وإذا كان الحزب الشعبوي المناهض للأجانب (بي.في.في) بزعامة غيرت فيلدرز، يرى أنه لا مكان للمسجد في هولندا، وأنه ينبغي أن يكون مكانه في السعودية، فإن هذا لا يعكس سوى رأي عنصريً مقيت، درج عليه الحزب ورئيسه في معاداة متكررة للإسلام والمسلمين، ناسياً أن خُمس سكان هولندا، البالغ عددهم 17 مليوناً، هم من المسلمين.

مسجد السلام سيبقى شامخاً كعزة الإسلام، بمآذنه وقبته، وبأهدافه ومعانيه، ليشكل جسراً للتواصل القائم على الحق والحرية، وعلى النهج المرسوم له في التسامح والمحبة.

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر