5 دقائق

الكلمة أمانة

من يعمل على نشر مقالات بصفة دورية أو يومية في إحدى وسائل الإعلام يتحمل أمانة كبيرة هو مؤتمن عليها، وهذه الأمانة تعد مسؤولية صعبة، ومراعاة ضمير يومية، تهدف إلى كتابة كلمات هي بمثابة معلومة للرأي العام. وكتابة مقال يقرؤه عامة الناس، بمختلف ثقافاتهم وتوجهاتهم يجعلك تتساءل عن الهدف من نشر المقال، والرسالة التي تريد أن توجهها من خلاله. في وسائل الإعلام تختلف التوجهات والأهداف للكتاب والناشرين، ونحن نعلم بوجود كتّاب يسعون إلى رفع ثقافة الأفراد وتنمية المجتمعات بمختلف توجهاتها، ونعلم أيضاً في المقابل بوجود كتاب يسعون إلى بث المعلومة المغلوطة وزرع البلبلة لطمس تنمية وثقافة المجتمع.

المسؤولية كبيرة أمام الله سبحانه وتعالى أولاً، الذي سيحاسب على كل كلمة كتبت أو قيلت، وثانياً الرأي العام والمجتمع بمختلف فئاته وأفراده، حيث سيتساءلون إن كانت الكلمة عوناً ومعيناً لهم، أم كانت تغرد خارج سربهم. لم تعد الكلمة مجرد مقال ينشر في صحيفة أو كتاب وإنما دخلت عصر التقنيات الحديثة، وأصبح الجميع، الكبير والصغير، الذكور والإناث، باختلاف جنسياتهم وأعراقهم ولغاتهم يكتبون وينشرون الكلمة، من خلال البريد الإلكتروني و«الماسنجر» والمدونات والمنتديات والـ«بلاك بيري» والـ«آي فون»، ومن دون التفكير في مدى تأثير الكلمة في الفرد والمجتمع، لأن معظمهم غير مبالٍ بالنتائج، أو بالأصح ليس من اهتمامه النتائج التي قد تحققها كلمته التي نشرها أو قالها، على مبدأ «أنا ومن بعدي الطوفان».

في دولة الإمارات العربية المتحدة يتم نشر الكلمة من خلال الصحافة أو التلفزيون أو الإذاعة، ولكن تبقى الكلمة التي تكتب أو تنشر أو تقال بلسان الشعب هي الأولى والأكثر انتشاراً في محيط أفراد الوطن، وتعد نسبة البرامج والمقالات التي تخاطب المواطنين والمقيمين وتتحدث بلسانهم هي صاحبة أكبر نسبة مطالعة أو استماع، لأنه دائماً ما يبحث الإنسان عمن يعبر عما بداخله من معلومة أو طلب مساعدة أو مقترح، والكثير من الأمور الأخرى. لذلك فإن أصحاب هذه البرامج والمقالات عادة ما يكونون أكثر الأشخاص محاسبة من قبل المجتمع، لأن مصادر المعلومة والتأكد منها جميعاً مرتبط ارتباطاً كلياً بالمجتمع ومؤسساته.

للكلمة دور في قيام الحضارات على مدى التاريخ القديم والمعاصر، وللكلمة أيضاً دور في انهيار بعض الحضارات التي كانت قائمة، من خلال نشر الشائعات والأكاذيب وزرع البلبلة بين أفراد المجتمع، والتاريخ مملوء بالعديد من القصص التي تشير إلى ذلك، خصوصاً من خلال الخطب بمختلف أنواعها، السياسية والدينية، ولابد أن يكون الخطيب صاحب مستوى ثقافي وديني وقيادة مؤثرة و«كاريزما» قوية لها تأثير السحر في البشر، ومنهم هتلر على سبيل المثال.

يوضح هذا المقال أهمية الكلمة سواء كانت مسموعة أو مقروءة أو منطوقة، فعلى كل من يريد أن يكتب كلمة في مقال أو كتاب أو يقدمها في برنامج أو خطبة أو محاضرة، أن يفكر في الهدف قبل كل شيء، ويفكر في التنمية والبناء والتطوير والحضارة والحفاظ على الكيان الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والأمني، لأنه واجب قومي وأمن وطني، مع مراعاة الصدقية وصحة المعلومة والنتائج البناءة والهادفة إلى ثقافة المواطن والمقيم، ولتنمية الفرد والجماعة، والسعي إلى المصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة، وتكون الكلمة عوناً للوطن وليست سيفاً مسلطاً عليه.

تويتر