خذ بيدي.. لو سمحت

هو رجل رزين عاقل،لا يتدخل في شيء إلا إذا طُلب منه وبإلحاح، وإن تدخل فبالحسنى، ويتلمس الألفاظ مراعياً إلى أقصى مدى مشاعر الغير حتى ولو كان مخطئاً، لذا أَحَبه ويحبه كل من التقاه، هو يألف الناس سريعاً ويألفونه أسرع، دائم البسمة لا يُرَى عابساً، وإن ضاق صدره نأى بنفسه جانباً حتى لا يلفت أحداً إلى ما فيه،لا يشكو من كل شيء لأي أحد كطبيعة الضعفاء الواهنين، ليس له خصوم ولا أعداء إلا مرضى الحقد والحسد وأعداء النجاح وتلك سنة الحياة،

لا تخرج كلمة من فمه إلا بعد تأنٍ وتفكير، يعلم أنه ما لم ينطقها فهو يملكها فإن نطقها ملكته، يترنم دائماً بقول الشاعر:

احفـظ لســــانك أيها الإنسان  لا يلـدَغنـــــــك إنـه ثعبـــان

كم في المقابر من قتيل لسانه  كانت تهاب لقَـاءَه الشجعان

كتومٌ إلى أقصى الدرجات، لذا يستأمنه الجميع على أدق الأسرار، فما أحوج الناس إلى عقل راجح وصدر واسع لا يعرف الغدر ولا المكر ولا الإفشاء، هو فرد في كل أسرة تعرفه، الكل يلجأ إليه ويرى فيه الأمن والأمان، حَسْبُ أي خصمين أن يحتكما إليه، لا يجامل في الحق لكن بذوق رفيع، تطمئن له كل الأطراف، فيشفي رأيه الصدور ويجمع الخصوم، ويأنس لصدقه المتنافرون،

لا يطلب لنفسه شيئاً قط، وما تطَلع يوماً إلى ما عند غيره، كل معارفه يتمنون لو طلب أموالهم وأوقاتهم لما اطمأنوا لعفته واستغنائه، حمامةُ سلامٍ أينما حل، ومَحَط السكينة في كل مجلس، حليمٌ عند الغضب يرد الإساءة دوما بالإحسان، سألوه يوماً: ما سر سكينتك؟ قال: درس لقنَه رسول الله بحسن خلقه لصحابته، فعاهدت نفسي أن أكون كما أراد ما استطعت، فقد جاءه أعرابي يوماً - كما روى البخاري في الأدب المفرد- وسأله شيئاً فأعطاه، ثم قال له: أأحسنت إليك؟ قال:لا، ولا أجملت! فغضب الصحابه، وقام أحدهم ليقع به، فرده الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ الرجل ودخل إلى منزله وزاده، ثم قال له: أأحسنت إليك؟ قال: نعم، فجزاك الله من أهلٍ وعشيرةٍ خيراً، فقال له: إنك قلت ما قلت وفي نفس أصحابي شيء من ذلك، فإذا أحببتَ فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي، ليذهب من صدورهم ما فيها عليك، قال: أفعل، فأخذه وخرج إلى الناس، وقال لهم: إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه وزعم أنه يرضى، أكذلك؟أ فقال: اللهم نعم جزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، ثم التفت صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، وقال لهم: مَثَلي ومَثَلُ هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة فشردت منه، فتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفوراً، فناداهم صاحب الناقه أن خَلوا بيني وبين ناقتي فإني أَرفَقُ بها وأَعلم، ثم أخذ لها من قمام الأرض فردها هونا هونا حتى عادت واستناخت، فشد على رجلها واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجلأ ما قال، فقتلتموه دخل النار.

ترى ما أحوجنا لمثل هذه الأخلاق!

أتدرون من هذا الرجل؟ إنه أنت إن أردت وأنتِ إن أردتِ! إنه المواطن الصالح أياً كانت ديانته وأياً كانت ثقافته، إنه المهذب الذى يشرف قبيلته، فهل هو أنت؟

المستشار التربوي لبرنامج وطني

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة