الفرق المعرفي

بعدما كشف تقرير المعرفة العربي، العام الماضي، عن فرق معرفي شاسع بين الوطن العربي من جهة والعالم المتقدم من جهة أخرى، لا نملك سوى الأمل في العمل، من اجل حث الخطى باتجاه عالم المعرفة بكل اشكالها وتجلياتها.

تقرير 2009 كان تحت شعار «نحو تواصل معرفي منتج»، بينما يأتي التقرير الجديد، للعام الجاري، رافعا شعار «إعداد الأجيال القادمة لمجتمع المعرفة»، وتقام جلسة «عصف ذهني» لموضوعات التقرير، عدا الأربعاء في دبي، اذ يتناول التقرير الجديد دراسة حالة الإمارات، التي تركز على القاعدة الأولى والمتمثلة بالتعليم، كونه بوابة الدخول الى مجتمع المعرفة بمفهومه الشامل.

ومن المؤكد ان لتقارير المعرفة اهمية كبيرة في توفير معلومات واضحة ودقيقة لقياس «المستوى» الثقافي والإبداعي والعلمي والتربوي، علاوة على توصيف «منسوب» الحرية، لارتباطها العميق بالفعل المعرفي. وهذه التقارير التي يعدها مختصون، وهي نتاج مشترك لمبادرة مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم وبرنامج الأمم المتحدة، تضع «الإصبع على الجرح»، وتكشف بجرأة علمية عن «الهوة المعرفية» بين العرب والآخر، لكنها في الوقت ذاته تضع اسس بناء مجتمع المعرفة، وترصد خطوات التقدم والتراجع في الدول العربية.

وعلى الرغم من مرارة الحقيقة، إلا أن قولها ليس كفراً، بل واجب، خصوصاً إذا عرفنا أن الإنسان في وطننا العربي مثقل بهموم «متمترسة» وليست طارئة، من بينها ان نصيبه من اصدارات الكتب يبلغ 4٪ من نصيب المواطن البريطاني، و5٪ من نصيب الإسباني، وما يخصصه العربي للقراءة «الطوعية» لا يزيد على 10 دقائق سنوياً. كما ان الأمية لاتزال تلقي بظلالها الثقيلة على امتداد بلداننا العربية، وان كانت بنسب متفاونة بين بلد وآخر، وتتركز كثافة الأمية لدى النساء اكثر، وبالتالي يتعطل «نصف عقل» المجتمع معرفياً، في عصر ثورة الاتصال والمعرفة. وليس هذا فقط، فالثقافة والفنون لاتزالان في «قاع» اهتمامات كثير من الدول العربية، ولايزالان كثير من المدارس يتعامل مع حصة الرسم او الموسيقى باعتبارها «حصة فراغ» يلهو فيها التلاميذ، وما «يزيد الطين بلة»، كما يقال جرى تهميش تخصصات الفلسفة في بعض الجامعات، او شطبها نهائيا، على الرغم من انها كانت تدرس في مدارس الستينات وربما السبعينات. لكن الآن يغدو «المفكر» غريباً، وكذلك يصبح الشاعر والفنان التشكيلي والروائي والموسيقي وكاتب القصة والمسرحي، غرباء في مجتمعات لا تقيم لهم اعتباراً، بل تلحق ببعضهم تهم الزندقة والكفر واطالة اللسان والخروج على الملة وغير ذلك من التهم، والأمثلة على ذلك كثيرة. كما ان العربي لايزال في حالات عدة «كائناً منزوع الحرية»، ولايزال صوته خافتاً. كما تتواصل «محاكمة الكتب» في كل عام، حتى وصلت الى «ألف ليلة وليلة» التراثي. ولم يسلم مفكرون ومبدعون من دخول المحاكم أيضاً. اما البحث العلمي فيبدو انه في آخر اهتماماتنا، اذ لا يرصد سوى «الفتات» على شؤون البحث العلمي في الدول العربية، ما جعلنا «مستهلكين بامتياز» للغذاء والتقنيات والمفاهيم التي ينتجها الآخرون. وكل ذلك ناتج عن «ثقافة احادية»، في حين ان مواكبة الحياة والمعرفة تتطلب تعزيز التعددية والحوار، والتخلص من الفقر والبطالة والكبت.

هذا الواقع الذي لابد من تشخيصه أولاً، يظهر قاتماً، لكن البدء بخطوة في الاتجاه الصحيح خير من التمترس في عتمة ثقيلة.

alialameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة