معاقبة السينما العربية
يحق لنا، بعد مضي ما يزيد على قرن من نشأة السينما العربية، أن نسأل عن المستوى الذي وصلت إليه هذه السينما، وعن الإضافات التي قامت بتخليقها مثل هذه الصناعة الإبداعية، ليس على مستوى الوطن العربي فحسب، بل على مستوى العالم، وعن مشاركات هذه السينما في المهرجانات العالمية، وعن جوائز المهرجانات الدولية التي حصلت عليها هذه السينما.
جميعنا يعرف أنّ مصر أول دولة عربية لها دورها السينمائي الريادي، الذي بدأ في الوقت نفسه الذي بدأت في العالم، حيث قدم أول عرض سينمائي مصري، في مقهى «زيواتي» بمدينة الاسكندرية في يناير من عام ،1896 وتبعه أول عرض سينمائي بمدينة القاهرة، في العام ذاته، في سينما «سانتاي». أما أول فيلم روائي مصري فكان من إنتاج «الشركة السينمائية المصرية» التي أنتجت فيلمين هما «الشرف البدوي» و«الأزهار القاتلة» للمخرج المصري محمد كريم، وكان هذا عام .1917
وتشير الموسوعة الخاصة بالسينما العربية إلى أن هذه السينما قدمت 4000 فيلم خلال 100 عام، تمثل في مجموعها الرصيد الباقي للسينما العربية، الذي تبثه الفضائيات العربية حالياً.
ويمكن الجزم بأن السينما المصرية التي عاشت كل هذا التاريخ الاجتماعي والانساني، ظلت حبيسة المحلية المصرية، وبالتالي حبيسة المحلية العربية أيضاً. ولم تستطع أن تتحول إلى صناعة قادرة على الارتقاء بعين المشاهد العربي، وبقضاياه الحياتية، أو الى مستوى العالمية.
فالسينما ذهبت في بداياتها نحو المضمون الذي يدغدغ الفقراء، ويدمجهم في صالونات الأثرياء، بطريقة قسرية واحتيالية، وظلت فكرة التصالح الطبقي عن طريق علاقة غرامية بين الفتى الفقير والفتاة الثرية «أو العكس» هي الديدن لمرحلة سينمائية كاملة.
ويمكن القول إنّ السينما العربية بابتعادها عن الاشتباك بالمسائل الاجتماعية الجادّة، قد منحت السياسي العربي وسلطته الذهاب نحو مباركة العديد من التوجهات الساقطة في مشوار هذه السينما تاريخياً، لا بل دعم مثل هذه التوجهات.
والحال أن السينما التي بدأت أول ما بدأت مع العلاقات الأولية في قطع العلاقة العربية مع الشفاهية باعتبارها مرجعية معرفية، قد آثرت أن تبقى في مساحة الشفاهية، بحيث صار من الممكن أن تدير ظهرك للشاشة السينمائية وتفهم الفيلم تماماً، من دون احساسك بالحاجة إلى السيناريو وفعالية المشهد السينمائي.
وفي مطارح أخرى من تاريخ هذه السينما نراها على صعيد المضمون السينمائي تعتمد على قصص الحب والغراميات، وتحقيق حادثة الزواج، التي تنتهي بالموافقة، وبتلك القبلة التي تطبع عليها عبارة «النهاية»، هذا عدا عن الجهة المُنتجة التي تحاول أن تقزم ميزانية الفيلم بشطارة التجار، ليتحول الفيلم بكل أحداثه إلى قصة تحدث في شقة، أو في حي صغير، وذلك من أجل توفير الكلفة الإنتاجية للمشاهد الخارجية.
إن السينما العربية التي وقع على عاتقها الدور التنويري في زمن لم تكن للعربي اي نافذة، باستثناء نافذة الشاشة البيضاء، هي سينما فاشلة بامتياز، وهي حال مريعة من التخلف الذي يستدعي الثقافة العربية الى إعادة النظر في هذه الصناعة، ومعاقبتها على هذا الاحتيال الذي استمر إلى أكثر من قرن ومازال.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .