إصلاح نظام الكفيل
قبل سنين عدة صادفت في الطريق أحد أصدقاء الطفولة، فتبادلنا الحديث عن العمل وأخبرني بأنه أصبح رجل أعمال بعدد كبير من الشركات، سعدت له طبعاً حتى أفهمني بأنه لا يفعل سوى كفالة تلك الشركات التي تجاوزت الـ20 شركة بكل منها عدد من الموظفين لا يستهان به، تدفع له كل شركة على حسب حجمها، ويمتلكها فعلياً الأجنبي الذي يوظف كادراً من الأجانب.
موضوع إلغاء الكفالة شائك، ولكن شاهدنا شقيقاتنا في الخليج بدءاً بالبحرين في العام الماضي تخطو خطوات شجاعة لإلغائه، وأخيراً أعلنت الكويت أنها ستلغيه في العيد الـ20 لتحريرها في فبراير المقبل. ولكننا رأينا جهات في الإمارات تقوم بالدفاع عن نظام الكفالة الذي قضى عليه الدهر.
في الكثير من الأحيان نسمع أن التركيبة السكانية الحساسة للإمارات تقف عائقاً أمام إلغاء هذا النظام، ولكنني أجزم بأن التركيبة السكانية هي أهم سبب لتغييره.
في الحقيقة قامت إمارات الدولة بإيجاد أساليب تمكّنها من تقديم فرص عمل واستثمار لأجانب من دون الحاجة إلى كفيل مواطن، بدءاً من منطقة جبل علي الناجحة بامتياز إلى المناطق الحرة في مختلف إمارات الدولة التي يقدم الكثير من الشركات فيها خدمات خارج مناطقهم إلى السوق الإماراتية. فلماذا لا تتمكن الحكومة الاتحادية من إصلاح نظام قامت الحكومات المحلية بالعمل مجتهدة على تجنّبه؟ لذا أقترح إقامة هيئة اتحادية تكون هي الجهة المعنية بإصدار كفالات سواء كانت لرجال أعمال يريدون إنشاء شركات أو حتى خدم وموظفين في مؤسسات خاصة، ويدفع الموظف الذي يريد العمل بعد موافقة الجهات المختصة مبالغ مالية على حسب جدول تراكمي. تستطيع تلك الهيئة أن تنشئ صندوق مساعدات لمواطنين هم بحاجة إلى مساعدات مالية من الدخل المذكور.
للأسف فإن سلبيات ممارسات نظام الكفيل الحالي تشجع الكثير من المواطنين على استخراج كفالات لأجانب بهدف كسب مبالغ مالية من دون مراعاة مصالح الوطن. أيضاً لا يشجع أسلوب استخراج الكفالة الشباب على بدء أعمالهم والريادة في العمل، وهو أساس كل المجتمعات الناجحة. ولا يدرك الكثير من الشباب الإماراتي أن قانون الدولة يحمّلهم المسؤولية في حال هروب المسؤول الأجنبي من دون دفع معاشات موظفيه، بالإضافة إلى الغرامات.
النظام بوضعه الحالي لا يخلق سوقاً متوازنة للعمل مبنية على كفاءة الشخص، حيث يتقيد موظف في وظيفة قد يكون أنسب لغيرها ويشجع الشركات الكبيرة على توظيف أشخاص من الخارج بدل البحث عن موظفين أنسب موجودين في الإمارات.
نظام الكفيل حين يعدّل ينبغي أن يأخذ في الاعتبار خصوصيات الإمارات، وأن يراعي أن ينهي الموظف المستقطب عمله في الشركة التي أرسلت إليه، ولكن لا ينبغي أن نعطي الفرصة لبعض الشركات التي تسيء لسمعة الإمارات بالاحتفاظ بجوازات الموظفين.
في رأيي المتواضع مادام المواطن يرى أنه يستطيع أن يكفل عدداً هائلاً من الأجانب سوف يقوم باستقطاب المزيد منهم مقابل أموال تدفع له وهو سبب لارتفاع عدد سكان الإمارات المفاجئ إلى أكثر من ثمانية ملايين نسمة. كما قلت، موضوع إلغاء الكفالة الشخصية وتحويل المسؤولية إلى الحكومة شائك، ولن يقبل المستفيد منه بتغييره، ولكنها خطوة ضرورية لابد من تنفيذها عاجلاً أم آجلاً.
❊ زميل غير مقيم
في كلية دبي للإدارة الحكومية
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .