5 دقائق

ليست هوليوود وحدها

حمدان الشاعر

دأبت هوليوود، عاصمة السينما العالمية على وصم العربي بصفات أخلاقية وشكلية تكاد تكون ثابتة، فهو سمين أحمق وزير نساء أو إرهابي متعصب يهوى القتل ويعشق الدماء. لقد ظلت هذه «الصورة النمطية» تتوالى في أعمال غربية كثيرة نغضب إزاءها وتستفزنا دوماً أن نكون نحن العرب في هذا القالب السقيم الذي يتكرر بوتيرة مزعجة، خصوصاً أننا نعيش في مجتمع كوكبي تتواصل فيه الاتجاهات الأربعة، ونظل نحن مشوّهين على مرأى من شعوب العالم كأننا أسرى هذا النمط الذي لا ينفك يحاصرنا.

نفرح كثيراً إذا كان هناك عمل سينمائي لا يتعمّد الإساءة إلينا ويضع العرب في صورة مقبولة «ليست مبهرة أو منصفة بالتأكيد»، ونقول «الحمد لله.. عدّت على خير» ، ولا نطمح إلى أن نأخذ المبادرة في تغيير هذا النموذج المفرط في السخرية والاستهزاء والتحقير بنا لأننا باختصار لا نملك استراتيجية واضحة على الصعيد الإعلامي والسياسي والمعرفي لتغيير تلك «الصورة النمطية» إلى الشكل الذي ينبغي للعالم أن يعرفنا فيه على حقيقتنا.

اليوم نحن نمارس مع سبق الإصرار الاضطهاد ذاته لصورة «العربي»، فالإماراتي والمصري والسوداني والمغربي صاروا محل «تنكيت» وتحقير، وألصقت بهم صفات سيئة وشريرة ومثيرة للسخرية لمجرد أن كاتباً تافهاً أراد ذلك وأجبر الجميع على القبول به، فأصبح العربي اليوم صورة مشوّهة في العمل الفني ونمعن في تشويهه بإرادتنا وبدعم من مؤسساتنا الإعلامية الرسمية والخاصة وبرعاية من دوائرنا الحكومية وشركاتنا الوطنية!

أصبحنا اليوم نرمي الآخرين بالحجارة ونحن ذاتنا لا نقف موقف الرفض لكل هذا الاضطهاد لبعضنا بعضاً، فهذا الإسقاط جعل تكريس صورة العربي بكل هذه السلبية تنتقل إلينا، فليست هوليوود وحدها المتهمة اليوم، فنحن نساندها بوعي أو من دونه، فالأمر سيان.

هي جريمة صريحة حين نقول إن إحدى الجنسيات دون غيرها موغلة في السوء والشر، وأخرى تخلت عن قيمها وصارت هلامية بلا شكل أو هوية، وثالثة ارتبطت بكونها سيئة الأخلاق والسمعة.. هذا فرز عنصري بغيض تأباه قيمنا وديننا.

ومع الأسف فإن الأعمال الدرامية التي يزخر بها الشهر الفضيل سقطت في فخ الفراغ الفاقد لهدف واضح أو فكرة أصيلة فلجأت إلى الإسفاف والتهريج، فالاستهزاء بالآخر ليس كوميديا بل هو إفلاس فني ومعرفي يعني أن العمل يفتقد عناصره القائمة على أسس ومعايير مهنية وقواعد احترافية تتنافى مع ما هو معروض، فالنجاح لا يعني أن أضحك على الآخر أو أنتقص من قدره، إنما هو الفشل بعينه حين يعجزون عن إدراك ماذا يعني الفن وكيف يمكن تسخيره لإعلاء شأن الإنسان وقيمته.

 hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .
 

تويتر