5دقائق

سُمعة من؟!

حمدان الشاعر

قصة أقل من مُعتادة.. وأدنى من أن تكون حديث المجالس والإعلام، شاب يتسبب عرضاً في حادث مروري في لندن، فيتعهّد بإصلاح كل ما أتلفه الحادث في رد فعل طبيعي ومسؤول. ولكن يأتي مواطن إنجليزي ويدّعي زوراً أن هذا الشاب ليس نفسه من كان يقود السيارة وقت الحادث، فتقوم قائمة إعلام حاقد على هذا «الثري»، الذي يقود سيارة «فارهة» في شوارع عاصمة الضباب، ويتسبب في حادث كاد يؤدي إلى «كارثة»، وبعد أن يقضي هذا الشاب وزميله أسبوعين في السجن، بتهمة تضليل العدالة، ثم بكفالة تتجاوز المليوني درهم «تخيّل!»، يأتي أحد السكان المحليين ممن شاهد الحادث، ليشهد «طواعية» لمصلحة الشاب، ويقول إنه الشخص نفسه الذي تسبب في الحادث، فيُخلى سبيله وتثبت براءته.

 

لم يعتذر أحد للشاب عن أسبوعين قضاهما ظلماً في غياهب السجن، بل كال له إعلامنا مزيداً من التقريع، لأنه شوّه صورة الإمارات، وهل حادث مروري تافه، يقع كثيراً ونشاهده مراراً، بإمكانه أن يشوّه صورة الدولة؟ هل بهذه البساطة نحن مرتبكون؟ وبهذه النفسية الخائفة نتوجّس من الصورة المهزوزة؟! هل بعد كل هذه السنوات من التحرر من ربقة الاستعمار البريطاني مازلنا نخشى سوء الصورة، ونُزايد على الإعلام الغربي في النيل من أبنائنا ؟

 

كيف إذاً لم تهتز صورة «بريطانيا العظمى» من ذلك البريطاني المخمور الذي أزهق أرواحاً بريئة في أحد تقاطعات دبي، ولم يقل أحدٌ إنه شوّه صورة بلاده؟ أو أولئك الذين سرقوا وهربوا إلى بلادهم ولا سبيل لاستردادهم؟ قصص كثيرة وحكايات تتكرّر، ولكن الواقع يقول إن أياً منهم إنما يُمثل نفسه، وهو مسؤول عن فعلته، أما الوطن فهو أكبر من سلوكيات خاطئة لبعض أفراده.

 

نحن الذين نشكو سلوكيات تتنافى مع ثقافتنا وتقاليدنا، نتعامل مع أنفسنا بقسوة الجلاّد، وبروح يشوبها انعدام ثقة مفرط بالنفس، ومازلنا ننحني للأجنبي، ونتراكض خلف صورة الإنسان المتحضّر بمزيد من التنازلات، ورغم كل هذا مازال يُنظر إلينا بازدراء، بدليل الحملة الشعواء التي شنت على شاب إماراتي أخطأ في التعامل مع سيارة لم يعتد عليها.

تجربة الحياة في الغرب أفسحت لنا فرصة التعايش مع كثير من القصص والكوابيس، وكانت هناك بلاشك أخطاء من إخواننا وجيراننا مقرونة بقلة النضج والخبرة، ولهذا لا يجب اعتبار «عيال لبلاد» حائطاً مائلا، يسهل هدمه أو «فشْلة» يُستعرّ منها، بل يجب أولاً احتضانهم وتوجيههم، فهم ثروة نعتز ونفتخر بهم.

إلى متى سنظل نتعامل مع هفواتنا على أنها جريمة، لأنها ارتكبت لدى الغرب؟! نحن اليوم أندادٌ للجميع، ولسنا ضمن جوقة المغضوب عليهم فقط، لأننا عرب ومسلمون، فقد حان وقت الرفض لهذا الخنوع والتعامل بفخر وعزة، فنحن رغم كل شيء لسنا متاحين لدرجة أن تُشن ضدنا حملات إعلامية مجحفة وغير منصفة على الإطلاق، فسمعة الدولة ليست مرتبطة بقشة، ولا بشاب تسبب في حادث، إنها أكبر من ذلك بكثير، وكثير جداً.

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر