5 دقائق

مركز قرطبة الثقافي

حمدان الشاعر

من كان يجرؤ على الكلام لو لم يكن المتحدث هو عمدة «نيويورك» نفسه الذي قال مُستلاً سيف الشجاعة والمنطق إن معارضة بناء مركز قرطبة خيانة للقيم الأميركية، واختصاراً للحكاية فإن مركز قرطبة الثقافي هذا هو عبارة عن مشروع واعد يتضمن مسجداً ومركزاً ثقافياً وصالات ألعاب ومكاناً للاستجمام وصالات للعروض والمناسبات الاجتماعية، إضافة إلى نصب تذكاري لأحداث 11 سبتمبر، ويُنظر إلى هذا المركز كنقطة التقاء لبناء حوار بنّاء للأديان، وتوثيق الروابط في «نيويورك» بين المسلمين وغيرهم، باعتبارهم جزءاً من النسيج الاجتماعي للمدينة. ويكمن الخلاف في أن موقع هذا المركز لا يبعد سوى مسافة قليلة عن «غراوند زيرو»، وهو موقع برجي مركز التجارة العالمي، فقوبل المشروع بنقدٍ شديد، نظراً لتحسُس كثيرين من كون مسلمين هم من قوّض هذين البرجين في أحداث 11 سبتمبر .2001 وعلى الرغم من وجود هجوم مُستعِر ضد المسلمين تجاه أي بناء إسلامي، ولو كان ملتقى حضارياً تسبقه نيات حسنة للتوعية بحقيقة الإسلام وسماحته، فإن العداء للإسلام أضحى عقيدة لدى اليمين الأميركي المتطرف ولدى الأجهزة الرسمية، في ظل آلة إعلامية مدججة بالكراهية، وتوجس سياسي تجاه العرب والمسلمين طيلة عقد كامل من الزمان، وإلاّ بماذا نُفسر مطالبة بعض المعارضين ببناء كنيسة بجوار الكعبة، في رد مماثل على هذا المشروع، متجاهلين قداسة مكة المكرمة، والاختلاف البعيد والمُبالغ فيه في مقارنة ليس هُنا محلها.

«بلومبرغ» عمدة مدينة نيويورك الذي أيد هذا المشروع برّر موافقته من خلال مقال في «التايمز»، وشرحه بأنه موقفٌ يدعم التحضّر الأميركي، ومنسجمٌ مع الدستور الذي لا يقرّ للحكومة أن تُفضل ديناً على آخر، منوهاً بأن هناك مسلمين أيضاً كانوا ممن قضوا في هجمات 11 سبتمبر.

القضية الأساسية أن هناك قوانين تحكم البناء والاستثمار، كما أن هناك قيماً تُبنى عليها القرارات السيادية، حتى وإن كانت لا تتوافق مع مزاجات كثيرين، حتى أولئك الذين يغرّدون خارج السّرب، فالنظام هنا هو المحك والمحرّك في الحياة المدنية في دولة مثل أميركا، فهناك سيادة للقانون، على الرغم من كل الأصوات المعارضة والضغوط القاسية على أي قرار، والتي تحركها لوبيات عنصرية حاقدة. هذه السيادة للقانون هي ما يعزز الفروق بين القرار الذي يأتي متوافقاً مع الدستور والقيم وتلك القرارات التي تُطوّع لخدمة مصالح خاصة تُخان فيها القيم وتُنتهك فيها مبادئ الحرية والديمقراطية.

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .
 

 

تويتر